إنهم لا يستقيلون!
كان القائد الفرنسي يضع قلادة حول عنقه فيها "سم" لينتحر عند هزيمة جيشه في المعركة. هذه العزيمة التي ولدّتها الهزيمة لم تكن رغبة في الموت، بل تحملا لتبعات القيادة.
والمسؤول عن أي جهاز هو قائد في معركته مع تحديات المسؤولية. مع هذا لا أطلب منه تجرّع السم عند فشله، ليس إشفاقا عليه، بل لأني على يقين بأن حضرته سيقتطع ثمن "قلادة السم" من ميزانية جهازه الحكومي تحت بند "النثريات". المطلوب أقل من ذلك بكثير، وهو أن "يشيل قشه" ويتوكل على الله، ليمنح الفرصة لغيره.!
بدلا من "قلادة السم"، عليه أن يطوق عنقه بتعهد مع نفسه بأن يعتذر عن الاستمرار في منصبه، ويطلب الإعفاء من مهامه في حال لم يوفق في واجباته. أما من "يتترس" خلف الأبواب الموصدة، ثم يخرج ليبرر إخفاقاته المتكررة دون الاعتراف بالفشل، فهو كالقائد الجبان الذي يهرب من أرض المعركة تاركا جنوده خلفه.!
للمخصصات المالية والمكانة الاجتماعية، فعل السحر في مسألة التشبث بالمنصب، ومغريات أقل منهما بكثير كافية لرغبة البقاء. والأسوأ حينما يرى أن مجرد التفكير في ترك المنصب هو الانتحار بعينه. لكنها معركة أخلاقية، والشجاع من ينتصر لضميره.
عندما يحاسب المسؤول نفسه، ويفتح كشف حساب منجزاته، ثم يقرر ترك منصبه عند إخفاقه، سيرى أن ما كان يتقاضاه لا يعدل شيئا أمام براءة ذمته، واحترام الناس له، وتاريخ سيخلده، أقل ما يقال إنه "حدث في ذلك اليوم": أن فلانا ترجل بكل شجاعة وأفسح المجال لغيره عندما أدرك أنه لن يقدم الجديد.
تنقل وسائل الإعلام من حين لآخر أخبار استقالات مسؤولين كبار في حكومات العالم "المحترم" لخطأ بسيط ارتكب في وزارة المستقيل، ربما لا ذنب لرجلها الأول بشكل مباشر في ذلك الخطأ، لكنه استشعار للمسؤولية. أما عالمنا العربي فأغلب الظن أنه "مبرمج" على أن مسؤوليه لا يخطئون، لذا فهم لا يستقيلون.!
هايل الشمري 2014-02-03 1:18 am
