يتوجه في هذه الأيام أبناؤنا الطلاب يحدوهم الأمل بأنهم سيجدون بيئة مختلفة، ومكاناً مهيئاً تماماً لتلقيهم كل صنوف العلم والمعرفة، ومكاناً مناسباً لممارستهم للأنشطة اللاصفية التي تعينهم على اكتساب مزيد من المعارف والعلوم والثقافة، ومكاناً لائقاً لممارسة هواياتهم الرياضية المختلفة التي تكون عوناً لهم -بعد الله- على تقوية أجسادهم وترفيهاً لهم يساعدهم على استعادة نشاطهم وحيويتهم.

كل هذه الأمور تدور في أذهان معظم الطلاب، بالذات الجدد على المدرسة، ولكنهم يصابون بصدمة عنيفة بمجرد أن تطأ أقدامهم بلاط تلك المدارس الذي أكل عليه الدهر وشرب ولم يبقَ له مثيل حتى في أفقر بقاع الأرض.

وتبدأ الأحلام تتبدد حلماً بعد الآخر؛ فلا البيئة مهيأة، ولا المكان مناسب، ولا الأنشطة متوفرة، ولا الملاعب صالحة، ولا... ولا... ولا....
وتبدأ الصدمة، ويبدأ معها الخيال، وتبدأمعها الحيرة، والدهشة، وتبدأ الأسئلة بغزوها لفكر هذا التلميذ..
أيعقل هذه هي المدرسة؟!
هل فعلاً هذه هي التجهيزات في كل المدارس؟!
هل كل المدارس على هذا النمط؟!
هل يعقل أن يكون ملعب الحارة الذي أسسته أنا وأصدقائي أفضل من ملعب المدرسة؟!!
هل يعقل أن المدرسة لا تحتوي على ساحة مناسبة للطلاب؟!
هل يعقل أن المدرسة لا تحتوي على مرافق مناسبة لمزاولة الأنشطة؟!
هل يعقل أن المدرسة لا تحتوي على مكان مخصص للصلاة؟!
هل كل مدارس الدنيا بهذه الصورة؟ أم مدارسنا فقط؟!
هذه تساؤلات تلميذ في قلب العاصمة الرياض، وليس في مدينة صغيرة أو قرية أو هجرة نائية.
وفي مدرسة مبناها حكومي وليست مستأجرة!!
إذاً ماذا يقول التلميذ في القرية أو الهجرة؟!
وما نوعية الأسئلة التي تدور في خياله؟!
أم أنه فقد حتى القدرة على الخيال والتفكير والتساؤل؟!
نعم أيها السادة هذا واقع مدارسنا المرير، فلا أظن أن هناك أحداً يتصور أن مدرسة في العاصمة تنقصها كل هذه التجهيزات.

نعم إنه هذا الواقع وللأسف الشديد؛ فالكثير إن لم يكن معظم مدارسنا بهذه الصورة وعلى هذه الشاكلة فلا يوجد بها ساحات مهيأة، فهي مكشوفة وإن وجد بها مظلات ففي جزء بسيط منها وهي لا تقي الطالب لا من حر ولا من برد ولا من مطرٍ ولا من غبار.

ولا توجد بها صالات رياضية لممارسة الرياضة وكل ما تحتويه ما يمكن أن يسمى تجاوزاً ملعب كرة قدم وهو عبارة عن عارضتين جهزتهما المدرسة عند أقرب حداد ووضعتهما على مربعات من البلاط القديم الذي لم يعد له وجود في قاموس البناء، وكل مباراة هناك قطعة من أجساد أبنائنا تذهب طعاماً لهذه الخرسانة اللعينة.

ولا يوجد بها أماكن مخصصة لممارسة الأنشطة اللاصفية؛ من أنشطة علمية أو ثقافية؛ فلا نوادٍ علمية مناسبة، ولا مسارح، فأنشط المدارس تلك التي تجهز لها كم قطعة من الخشب عند أقرب نجار وتغطيها بقطعة قماش لتطلق عليها اسم مسرح المدرسة.. ما أكبر الاسم: مسرح المدرسة.

أما الحديث عن المصلى فحدث ولا حرج، فكثير من المدارس بالكاد تجد الساحة الداخلية لتحيطها بسياج حديدي أقيم باجتهادات من مدير المدرسة، وفرش استطاع أحد الزملاء بعلاقاته الخاصة توفيره من أحد أهل الخير أو من المستودعات بعد جهد جهيد ومعاناة امتدت لفترة زمنية ليست بالقصيرة.
ولا أريد الحديث عن قاعات الدرس، وتلك الكراسي والطاولات التي أظنها من (سنة السبلة).
أما (المكيفات) وما أدراك ما المكيفات، فأفضلها التي يطفئها المعلم كي يستطيع الشرح.
وأما غرف المعلمين وغرف الإداريين فهذه بحد ذاتها حكاية إن لم تكن رواية.

كل هذا الحديث عن مدارس مبانيها حكومية وفي العاصمة فليست في قرية وليست مباني مستأجرة؛ فالمباني المستأجرة الحديث عنها يدمي القلب، ويحتاج لمقالات وليست مقالة فهي مأساة حقيقية؛ فيكفيك أن تعلم أن المطبخ فصل دراسي، ومكاتب المعلمين مبعثرة في الصالة، وكأنك في محل أثاث مستعمل في حراج ابن قاسم.

أرأيتم كيف أن مدارسنا خاوية على عروشها.. فهل هناك خواء أكبر من هذا الخواء.. والمصيبة إن شمل الخواء أموراً أخرى.
فيصير خواء مركباً فتصبح فعلاً.. فعلاً.. فعلاً..
مدارسنا.. خاوية على عروشها.