[size="5"][center]الخيرة فيما اختاره الله
* إن الخيرة للعبد فيما اختار له ربه، فإنه أعلم به منه، وأرحم به من أمه التي ولدته، فما للعبد إلا أن يرضى بحكم ربه، ويفوض الأمر إليه،

ويكتفي بكفاية ربه وخالقه ومولاه.
* والعبد لضعفه ولعجزه لا يدري ما وراء حجب الغيب، فهو لا يرى إلا ظواهر الأمور. أما الخوافي فعلمها عند ربي، فكم من محنة. صارت منحة وكم من بلية أصبحت عطية. فالخير كامن في المكروه.


* أبونا آدم أكل من الشجرة وعصى ربه فأهبطه إلى الأرض، فظاهر المسألة أن آدم ترك الأحسن والأصوب ووقع عليه المكروه، ولكن عاقبة أمره خير عظيم، وفضل جسيم، فإن الله تاب عليه وهداه واجتباه، وجعله نبياً، وأخرج من صلبه رسلاً وأنبياء وعلماء وشهداء وأولياء ومجاهدين وعابدين ومنفقين، فسبحان الله كما بين قوله: (اسْكُنْ أنتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلا مِنهَا رَغَداً)، وبين قوله: (ثُمَّ اجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَى)،


فإن حاله الأول سكن وأكل وشرب، وهذا حال عامة الناس الذين لا هم لهم ولا طموحات، وأما حاله بعد الاجتباء والاصطفاء والنبوة والهداية فحال عظيمة، ومنزلة كريمة وشرف باذخ.
* وهذا داود – عليه السلام – ارتكب الخطيئة فندم وبكى، فكانت في حقه نعمة من أجلّ النعم، فإنه عرف ربه معرفة العبد الطائع الذليل الخاشع المنكسر، وهذا مقصود العبودية، فإن من أركان العبودية تمام الذل لله عز وجل. وقد سئل شيخ الإسلام ابن تيمية عن قوله – صلى الله عليه وسلم - : "عجباً للمؤمن لا يقضي الله له شيئاً إلا



كان خيراً له"، هل يشمل هذا قضاء المعصية على العبد؟ قال: نعم؛ بشرطها من الندم والتوبة والاستغفار والانكسار.
فظاهر الأمر في تقدير المعصية مكروه على العبد، وباطنه محبوب إذا اقترن بشرطه.
* وخيرة الله للرسول محمد – صلى الله عليه وسلم – ظاهرة باهرة، فإن كل مكروه وقع له صار محبوباً مرغوباً، فإن تكذيب قومه له؛ ومحاربتهم إياه كان سبباً في إقامة سوق الجهاد، ومناصرة الله، والتضحية في سبيله، فكانت تلك الغزوات التي نصر الله فيها رسوله، فتحاً عليه، واتخذ فيها من المؤمنين شهداء جعلهم من ورثة جنة النعيم،




ولولا تلك المجابهة من الكفار لم يحصل هذا الخير الكبير والفوز العظيم، ولما طُرد – صلى الله عليه وسلم – من مكة كان ظاهر الأمر مكروهاً، ولكن في باطنه الخير والفلاح والمنّة، فإنه بهذه الهجرة أقام – صلى الله عليه وسلم – دولة الإسلام، ووجد أنصاراً، وتميز أهل الإيمان من أهل الكفر، وعرف الصادق في إيمانه وهجرته وجهاده من الكاذب. ولما غُلب – عليه الصلاة والسلام – وأصحابه في أحد كان الأمر مكروهاً في ظاهرةه، شديداً على النفوس، لكن ظهر له من الخير وحسن الاختيار ما يفوق الوصف،



فقد ذهب من بعض النفوس العجب بانتصار يوم بدر، والثقة بالنفس، والاعتماد عليها، واتخذ الله من المسلمين شهداء أكرمهم بالقتل كحمزة – سيد الشهداء، ومصعب – سفير الإسلام، وعبد الله بن عمرو والد جابر الذي كلمه الله وغيرهم، وامتاز المنافقون بغزوة أحد، وفضح أمرهم، وكشف الله أسرارهم وهتك أستارهم.. وقس على ذلك أحواله – صلى الله عليه وسلم -، ومقاماته التي ظاهرها المكروه، وباطنها الخير له وللمسلمين.


* ومن عرف حسن اختيار الله لعبده هانت عليه المصائب، وسهلت عليه المصاعب، وتوقع اللطف من الله، واستبشر بما حصل، ثقة بلطف الله وكرمه، وحسن اختياره، حينها يذهب حزنه وضجره وضيق صدره، ويسلم الأمر لربه جل في علاه، فلا يتسخط، ولا يعترض، ولا يتذمّر، بل يشكر ويصبر، حتى تلوح له العواقب، وتنقشع عنه سحب المصائب.


مما اعجبني فنقلته لكم