ذهبَ الزوج وبصحبته ابنته الصغيرة إلى المطار، لكي يستقبل الخادمة الجديدة، فأخيراً جاءت الخادمة بعد طول انتظار، وأخيراً سترتاح الزوجة من الأعمال المنزلية الشاقة!! وفعلاً لم يمض كثير من الوقت حتى كان الزوج عائداً إلى البيت ومعه الخادمة.




وصل الزوج إلى البيت، واستقبلت الخادمة من الزوجة ومن جميع أفراد الأسرة استقبال الفاتحين! حتى إنهم كادوا أن يرفعوا شعارات ترحيبية لذلك الحدث المهم في حياتهم! كيف لا ورمضان على الأبواب، كيف لا والأسرة بأكملها ظلت ستة أشهر وهي تنتظر قدوم الخادمة المهيب! كيف لا والأسرة ظلت طوال تلك الأشهر لا تستخدم إلا الأطباق والأدوات البلاستيكية!






حتى الزوجة عندما طال انتظار وصول الخادمة أخذت تتصل بمكتب الاستقدام بشكل شبه يومي، علهم يفاجئونها بقولهم مبروك لقد وصلت خادمتكم.




أشارت الزوجة للخادمة بأن تتبعها لكي تريها غرفتها لتأخذ لها قسطا من الراحة، ومن الصباح بدأت الخادمة تستمع للتعليمات من ربة المنزل، بخصوص تنظيف وترتيب البيت، فيومي الجمعة والاثنين هما لغسيل الملابس، ويوم السبت لتنظيف المجلس، ويوم الأحد لتنظيف جميع الأبواب، ويوم الثلاثاء لجميع شبابيك المنزل، وهكذا....فكل أيام الأسبوع مزدحمة بالعمل ولا مكان فيها لالتقاط الأنفاس.






وبالفعل اتبعت الخادمة التعليمات كما طلب منها، دون أن تخل بشيء من ذلك، حتى المطبخ فبعدما كانت مسئولة عن غسل الأواني والأطباق فيه فقط، أصبحت تطبخ وتعد منه كافة المأكولات والحلويات التي يفضلها جميع أفراد الأسرة، وباتت تعرف ذوق كل واحد فيهم، فهي تعرف بأن الصغيرة هديل تحب الإندومي، وتعرف بأن الصغير ريان يحب اللبن بالحليب، وبأن أمهم تفضل المكرونة بالباشميل، أما صاحب الفخامة وكبير البيت، فهو لا يرى بديلاً يماثل معشوقته الكبسة مصحوبة بطبق من الملوخية، ثم يتبعهما بكأس من الشاي الأخضر في مكتبه، وحتى جدُّ الصغار وجدتهم الكبيرة في السن فإن الخادمة عرفت كيف تعد قهوتهم فهم يفضلونها دون هيل مع قليل من الزعفران، وما إن تعرف بقدومهما إلى البيت حتى تسارع إلى فَرْش السجادة في الحديقة لتفضيلهما الجلوس فيها.







مرت أكثر من سنة على وجود الخادمة، دون أن تتصل بأهلها ودون أن ترسل لذويها ريالاً واحداً، مما أثار استغراب ربة المنزل! ولكن الاستغراب زال منها تماماً عندما تذكرت بأن كل ما يهمها هو أن تقوم الخادمة بعملها على أكمل وجه، وهو ما تقوم به الخادمة فعلاً، فلماذا النظر إلى أمور ليست بذات أهمية؟


ولم تكن الخادمة تقوم بعملها المطلوب منها فحسب، بل كانت تهتم بتفاصيل البيت وبتفاصيل جميع أفراد الأسرة، وربما أنها تعرف رغباتهم أكثر منهم.




فالشاي الأخضر سيجده الزوج على الطاولة في مكتبه، حالما ينتهي من غداءه حتى دون أن يطلبه! وهي أيضا ستستقبله لكي تأخذ منه عقاله وغترته لتضعها في الخزانة بدلا عنه!


وهي التي تضع أمامه يومياً كأس العصير حال قدومه من العمل!وهي التي تضع له جزمته كل صباح بعد تنظيفها أمام غرفته! وهي أول من سيجد له مفتاح سيارته في حال فقدانه له!





فالخادمة بعدما كانت مسئولة عن الأساسيات فقط في البيت، أصبحت مسئولة ومن تلقاء نفسها عن كافة التفاصيل المنزلية! فهي وبشهادة الجميع صغيرهم وكبيرهم تقوم بما هو أكبر من دورها...




والآن مرت ثلاث سنوات على وجود الخادمة دون أن تسافر إلى بلدها، وحتى دون أن ترسل أي نقود إلى إليهم! وكانت تبرر ذلك بأنها يتيمة الأبوين ووحيدة ليس لها أقارب، وهذا ما أسعد الزوجة، فخادمة كهذه أفضل من خادمة ليس لها هم إلا أن تسألهم في كل يوم هل وصلت رسالتي؟ أو أن تقول: ما بين حين وآخر أرسلوا رسالتي ونقودي هذه.






وفي أحد الأيام وبينما كانت معالي الزوجة تتصفح النت وعن يمينها صحن مكسرات، وعن يسارها إبريق شاي رائحة النعناع تفوح منه، جاءت إليها البنت الصغيرة مرام (3سنوات) وحاولت الجلوس في حضن والدتها وتقبيلها، ولكن السيد كمبيوتر أو السيد نت حال بين الأم وابنتها.





ولكن مرام الصغيرة لم تستسلم وكانت مصرة على تقبيل والدتها رغم كل هذه الحواجز! فاقتربت وبقوة قبلت والدتها على خدها وهي تقول: أنا قبلتك مثلما تقبل نورين أبي(تقصد الخادمة) فاستغربت الأم من كلام ابنتها! والتفتت إليها وحاولت أن تجرجرها في الكلام، لكي تفهم حقيقة القبلة وكيف تمت! إلا أن البنت الصغيرة أخذت تقول بأن نورين تقبل أبي وتقبلني وتقبل أختي سارة وتقبلكِ أنتِ أيضا يا أمي!! فعرفت الزوجة بأن ابنتها الصغيرة لا يؤخذ كلامها على محمل الجد! ثم عادت لتكمل مشوارها مع الشبكة العنكبوتية متناسية كل شيء!





مرت الأيام والخادمة كما هي, والزوجة كما هي أيضاً، فكل يقوم بدوره الذي ارتآه لنفسه! وكل مجتهد في الهدف الذي رسمه لنفسه!


حتى جاء يوم من الأيام ووجدت الزوجة زوجها يقبل الخادمة رأي العين! فهجمت عليهما وبدأت بضرب الخادمة وبالصراخ في وجه الزوج! وجاء الأولاد مسرعين نحو مصدر الصوت! فأمسكها الزوج بكلتا يديه وصرخ في وجهها هذه زوجتي على سنة الله ورسوله يا امرأة!




فبدأت الزوجة بالصراخ أكثر وأكثر قائلة: أتتزوج علي الخادمة يا عبدالله؟ ألم تجد غير هذه الخادمة لكي تكون جارة لي؟ومنذ متى تزوجتها أساساً؟!


فقال لها عبدالله: تزوجتها منذ سلمتها بيتك وأولادك يدا بيد يا هانم، وهذه الخادمة التي تأشرين عليها بإصبعك هي
التي تعرف ماذا أريد وهي التي تقوم بما أريد، وهي التي تقوم بكل صغيرة وكبيرة في منزلك دون تضجر أو تأفف، وهي التي جعلت للبيت طعما آخر بقدومها يا هانم؟




لم تترك الزوجة زوجها يكمل حديثه، فخرجت مسرعة باتجاه غرفتها، وبدأت في جمع أغراضها، ثم خرجت تاركة البيت للزوج ولزوجته الجديدة! رافضة الرجوع إلا بعد أن يطلق سعادة الخادمة(نورين)!


توجهت مع السائق إلى بيت أهلها، مسترجعة شريط قدوم الخادمة إلى منزلها، وانتبهت إلى أنها قد سلمت البيت بما فيه إلى الخادمة يداً بيد!! وأفاقت إلى أنها قد نسيت دورها تجاه زوجها وتجاه أولادها! وبأنها لم تقم بدورها كزوجة وكأم ولو من بعيد....ولو من بعيد...




وما زالت الزوجة حتى هذه اللحظة تنتظر أن يطلِّق الزوج زوجته الجديدة والذي يبدو أنه لن يفعل!