شاءت الأقدار أن أكون مديرا، وعندما تسلمت مهام عملي كنت أظن أن المدير يجب أن يكون قويا وعبوسا وصوته دائما يعلو على كل الأصوات التي من حوله، وأن يكون قليل الضحك وكثير الصراخ حتى السلام على الموظفين ليس له داع؛ لأنه قد ينقص من قيمتي وهيبتي. تعاملت مع الموظفين الذين هم تحت إدارتي بكل قسوة وصرامة وتسلط، وكنت أحمل في قلبي حقدا لكل من يقول لي لا، أو لا ينفذ أوامري بكل دقة، ولكل من يخالف آرائي حتى لو يكون رأيه صائبا، المهم أن كلامي هو الصحيح فأنا المدير.
وقد كنت أظن أن هذه الإدارة هي ملكي ولا يحق لأحد أن يقترب منها أو يتحدث عنها. كنت أظن أن المدير يجب أن يكون أنانينا فحاربت من هم حولي وقمت بتهميشهم لأنهم كانوا يحاولون الوصول إلى مكاني واحتلاله. حاربت على كل الجبهات في السر وفي العلن. كنت أعتز وأفتخر بأفكاري وآرائي ولا يمكن لي بحال من الأحوال أن أتقبل الرأي الآخر لأن ذلك ينقص من مكانتي، لذلك يجب أن أكون عنيدا دائما، سواء كنت على حق أو باطل. هدمت كل المسافات التي تقرب الجميع مني.. لم لا؟! فأنا المدير. تعاملت مع من هم أقل مني درجة بكل قسوة وصرامة على رغم السنين الطويلة التي أمضيتها معهم وكانوا مثالا للجد والاجتهاد في العمل لأنني أنا المدير، استبدلت التواضع بالغرور واستبدلت الحب بالكراهية وصادرت جميع الآراء ورفضت النقد الهادف ووصل بي الغرور والتعالي على الآخرين لدرجة أني لم أجد أن أحدا هناك يشبهني أو يصل إلى ما وصلت إليه، وكنت أظن وخاب ظني لأني اكتشفت في نهاية خدمتي أن المدير هو من يتواضع في عمله ويحب الجميع ويتقبل كل وجهات النظر ويتجاوز عن أخطاء الآخرين ويبقي قلبه مفتوحا قبل عقله لكل اقتراح أو انتقاد فيه مصلحة العمل وعرفت أن المدير هو من يحترم نفسه أولاً لكي يحترمه الجميع ويدرك أنه ليس سوى موظف من ضمن الموظفين الذين تعج بهم هذه الإدارة، ورحم الله امرأً عرف قدر نفسه.
وقفة...
عامل الناس بمثل ما تحب أن يعاملوك به.
سعود بن سيف الجعيد
صحيفة الوطن