لولو الحبيشي
صحيفة المدينه
الأربعاء 20/11/2013
في المدرسة حين شرحت لنا المعلمة لأول مرة أبيات شوقي:
وإذا النساء نشأن في أمية
رضع الرجال جهالة وخمولا
ليسَ اليَتيمُ مَنِ اِنتَهى أَبَواهُ
من هم الحَياةِ وَخَلّفاهُ ذَليلا
إن اليتيم هو الذي تلقى له
أمّا تخلّت أو أبًا مشغولاً
استماتت في التركيز على الشطر الأخير (أمًّا تخلّت أو أبًا مشغولا)، وأصرّت على أن البيت يتّهم الأم بالتقصير والتخلّي عن رسالتها السامية، ومهمّتها النبيلة، وفطرتها السليمة، و...، و...، و... أمّا الأب فمشغول بكسب الرزق، وعلى الأم أن تحسن تربية الأبناء، وتقدير الجهد الذي يبذله الأب بالكدِّ على أبنائه، على أن الشعر حمّال أوجه، وانشغال الأب الذي أراده الشاعر ربما يقصد الانشغال عن الأبناء، ورغم أن القصيدة في مقرر الأدب والنصوص الذي ينبغي أن يوجّه الذائقة الأدبية لمحامل الشعر وتذوقه ونقده، إلاّ أن موضوع المرأة والرجل أيًّا حلَّ سيأخذ الأولوية بشكله الاجتماعي، فتتوارى المناسبة والموضوع الرئيس خلف أيُّهما أفضل، وأيُّهما أهمّ، وأيُّهما أصدق، وأيُّهما أكثر تعبًا....!
وكما حرص واضعو المناهج على تضمينها قصيدة شوقي، حرصوا على قصيدة حافظ إبراهيم:
مَن لي بتربية النساء فإنها
في الشرق علّة ذلك الإخفاق
الأم مدرسة إذا أعددتها
أعددت شعبًا طيب الأعراق
الأم أستاذ الأساتذة الألى
شغلت مآثرهم مدى الآفاق
وكذلك كان التلقين ذكوريًّا، يضع مهامّ التربية وأثقالها على ظهر الأم، ويفرّغ الأب للكدِّ، وكسب المال!
فالأم في المجتمعات الذكورية ينطبق عليها المثل المصري اللذيذ: (في الأحزان مدعيّة، وفي الأفراح منسيّة)، فهي وحدها المسؤولة عن التربية، لكن الأب مشترك في الحصاد إن لم يستأثر به، فحين يفلح الولد يُقال (رجل من ظهر رجل)، و(من شابه أباه)، وتُغيّب الأم -كالعادة-!
من الجهل إنكار أهمية دور الأم في النشأة الأولى، لكن التربية هم مشترك، ومهام يقتسمها الأبوان في الأسر المثالية، واليوم حين نقرأ القصيدتين، ونقارنهما بالواقع، ونجد أن أغلب الأمهات مشغولات بالكدّ وكسب الرزق، وكثير من الآباء مشغول في استراحته مع أصدقائه، أو يدّخر ماله للإنفاق على رحلاته في الشرق والغرب وحيدًا أو مع أصحابه، متخليًا عن دوره، سنحكم عليهما بانتهاء الصلاحية، بسبب تبادل الأدوار في الغالب!
يُغيّب المجتمع الذكوري دور الأب في التربية إمعانًا في تدليله ليفرغه لنفسه ونزواته وشهواته، ويحتفل الرجل بهذا لأنه مستفيد من هذه المزايا! ويتجاهل الاثنان أن الرجل هو القوام على الأسرة، وأنه الراعي المسؤول عن رعيته، ولا يتأمل الاثنان وصايا لقمان لابنه التي تشير للدور التربوي للأب، عدا أدوار المصطفى عليه الصلاة والسلام في التربية والتهذيب وتحمل الأمانة!
وأخيرًا «لا شيء في الطفولة مهم بقدر الحاجة للشعور بحماية الأب»: فرويد.