"العنصرية" في المدرسة السعودية
العنصرية في المدرسة هي عبارة عن حلقة متصلة بحلقة أكبر من العنصرية في المجتمع الذي لا يزاوج إلا قبائل معينة، ولا يعلم ابنه احترام زملائه من طوائف أو جنسيات مغايرة



كبرنا في مدارس أنشأتنا على الانتماء إلى الهوية السعودية وأهمية التعريف بالذات على أساس الجنسية والجواز الأخضر.
حفظنا تضاريسها وحدودها وأسماء أهم المدن والموانئ، تاريخها ومناخها في الصيف والشتاء.
خرجنا من المدرسة وعملنا وابتُعثنا إلى الخارج، لنكتشف أن للسعودية أوجها متعددة لا تنتقص منها إنما تزيدها جمالا، لكن لسبب ما لم نحفل يوما بذكرها وتكريمها واحتوائها.
لم ندرس أن السعودي قد يكون حجازيا ونجديا، قد يكون حضريا وقبليا، قد يكون أبيض وأسود، قد يكون ذا أصول تنحدر من دول أخرى، قد يكون من بخارى، من حضرموت، من فلسطين. وكلهم متساوون في انتمائهم للسعودية بنفس الدرجة. اكتفينا في المدرسة بالتلقين أننا سعوديون فقط، ورمينا مسؤولية التعامل مع فروقاتنا لضمير المجتمع وذمته. فما الذي صنعه المجتمع؟
صنع المجتمع العديد من الصور النمطية المسيئة، فلم ندرس ونتعلم احترام هجرة الحجاج إلى بلاد الحرمين، أو نتناقش في الاختلافات الثقافية الموجودة في الفصل الواحد.
هذا التجاهل يعلم الطلاب أن المقبول شيء واحد، وثقافة واحدة، وطريقة واحدة فقط، تجعل الشخص مؤهلا لأن يفتخر بكونه سعوديا.
الاختلافات التي تثري الوطن تشتمل على السعوديين ذوي الأصول المختلفة والمختلطة وعلى غير السعوديين من المقيمين أو العمالة الوافدة.
اختلافاتنا لا تقتصر على اختلاف أشكالنا ولهجاتنا فقط، بل وحتى على عقولنا ونمط حياتنا وطريقة تفكيرنا في القضايا الاجتماعية والدينية والاقتصادية وغيرها.
عدم فتحنا باب النقاش بالنسبة لهذه الاختلافات لا يعني إلغاءها وعدم وجودها، بل إنه يزيد من الطائفية والعنصرية.
توجد مدارس سعودية تستقبل العديد من الجنسيات المختلفة، هذا التحدي أصبح لا يشكل إلا عقبة في وجه إدارة المدرسة التي تضطر إلى استقبالهم بدون توفير أي تدريب للتعامل معهم؛ فقد تنتمي الطالبة لثقافة مغايرة تفسر تصرفاتها وكلامها بالمسيء لجهلنا بخلفيتها وثقافتها. قد لا يتحدث الطالب في المدرسة باللغة العربية أو قد تكون العربية هي لغته الثانية أو الثالثة، فيفسر ضعفه بالكسل أو ينظر إليه كعقبة في طريق المعلم. أو قد يشار للطالب بناء على جنسيته وسط زملائه السعوديين.
الحل المدرسي لهذا التحدي هو اتباع منهج يسمى "المنهج متعدد الثقافات" والذي بدأ أساسا في الغرب للتعامل مع الأقليات الأسبانية والعربية والشرق آسيوية المهاجرة.
يدفع هذا المنهج الطلاب للحديث عن فروقاتهم الثقافية ومواجهة الصور النمطية التي تسمهم بسمات إيجابية أو سلبية. الأهم من ذلك هو تطبيق هذا المنهج في بيئة تطبق احترام الثقافات المختلفة، فلا تعامل الطالبة اليمنية أو الإندونيسية أو السورية بدونية مقارنة بزميلتها السعودية. فما فائدة النقاش والاحتواء داخل فصل إذا فتحت الطالبة بابه وخرجت منه وجدت العكس تماما؟
يعاني المنهج السعودي من عدم احتواء غير تلك الصورة الواحدة و"الصحيحة" للمواطن السعودي فلا توجد دروس تحدث الطلاب عن التاريخ المصري أو الإندونيسي أو اليمني. أيضا، لا يوجد وقت لدى المعلمة ولم يتم حتى تدريبها لإدارة نقاش يدور حول الاختلافات الثقافية في بيئة تحتضن هذه الاختلافات بدون أي إحراج أو توتر.
تعودنا في المدرسة أن الإجابة الصحيحة واحدة وأن وجهة النظر ليست وجهة نظر، بل حقيقة ثابتة لا يمكن أن يوجد غيرها. لهذا، تثور الخلافات وينتقص من الأعراض في أي نقاش ديني/اجتماعي/ سياسي؛ لأننا ببساطة لم نعتد على تقبل الاختلافات واحترامها وإدارة النقاش بدون شخصنة أو الظن بالسوء. العنصرية في المدرسة هي عبارة عن حلقة متصلة بحلقة أكبر من العنصرية في المجتمع الذي لا يزاوج إلا قبائل معينة وعوائل معينة ولا يعلم ابنه احترام زملائه من طوائف أو جنسيات مغايرة.
عدم الاعتراف وتنمية الولاء للأقليات غير السعودية في الدولة يعد هدرا لعقول وقدرات قد يكون بإمكانها إدارة شركات وقيادة مؤسسات أو تقديم إسهامات علمية وفكرية للدولة والوطن. كل إنسان على أرض السعودية يعد استثمارا لاقتصادها، ومن غير المجدي هدر هذه الفرص، وبخاصة أنها موجودة لدينا وتعيش معنا.
أخيرا، قد تكون العنصرية ذات صوت مدو بالتعدي الصريح والواضح على الغير، أو قد تكون صامتة ومؤلمة من خلال التجاهل المتعمد للاختلافات وعدم الاعتراف بوجود مشكلة.
كل شيء يحدث داخل الحرم المدرسي عبارة عن إشارة واضحة يلتقطها الطلاب عن ممارسات اجتماعية مقبولة وغير مقبولة، حتى وإن ألقينا المحاضرات وعلقنا لوحات برسائل مغايرة، فلا يتعلم الطالب سوى ما يراه مطبقا أمام عينيه وليس ما يسمعه من كلام مجرد بأذنيه.


سارة زيني
صحيفة الوطن