"التربية والتعليم" ووزيرها الجديد
عملية التطوير في مجال التربية والتعليم لا تحدث في وقت قصير، ولا يمكن رؤية نتائجها في سنة أو سنتين، وهذا يتطلب أن تكون هناك خطة تطويرية زمنية، وأن تكون هناك أولويات للتطوير أو التغير



استبشر المواطنون بصدور أمر خادم الحرمين الشريفين - وفقه الله - بتعيين صاحب السمو الملكي الأمير خالد الفيصل وزيرا للتربية والتعليم، وبمناسبة صدور هذا الأمر الملكي الكريم نبارك لسموه الكريم، ونسأل الله له العون والتوفيق، ونبارك لأنفسنا توليه هذه المسؤولية الكبيرة. لقد تعاقب على هذه الوزارة في السنوات الماضية عدد من الوزراء، وحاول كل وزير في فترة تكليفه تطوير مجالات التعليم، وكان التركيز في ذلك الوقت منصبا على جانب، أو جوانب محدودة جدا، وفي هذه الأيام هناك العديد من الملحوظات حول أداء وزارة التربية والتعليم، وأنا أدرك أن المهمة ليست بالسهلة التي يتوقعها الكثير، ولكن أملنا في الله كبير ثم في وزير التربية والتعليم الجديد أن ينهض بهذه الوزارة الحيوية التي تمس حياة الجميع، وحقيقة الأمر أن سموه الكريم له اهتمامات كبيرة ومتعددة فيما يخص الشباب، وتطلعاته طموحة حيال الجوانب التي يحتاجونها، وأنا على يقين بأن سموه لديه الكثير من الرؤى حيال تطوير التعليم، ومن المعروف أن عملية التطوير في مجال التربية والتعليم لا تحدث في وقت قصير، ولا يمكن رؤية نتائجها في سنة أو سنتين، وهذا يتطلب أن تكون هناك خطة تطويرية زمنية واضحة ومحددة المعالم، ومن الضروري أن تكون هناك أولويات للتطوير أو التغير نظرا لتعدد المجالات التربوية والتعليمية التي هي بحاجة للتطوير.
والمجال التربوي والتعليمي يشمل جوانب متعددة وجميعها بحاجة لدراسة علمية وتقصٍّ، ومن ثم البدء في تطوير ما يحتاج إلى تطوير أو تغيير ما يتطلب التغيير؛ فعند الحديث عن المناهج سمعنا عن مشروع الملك عبدالله لتطوير التعليم منذ زمن ولكن ما نتج عنه قد لا يتعدى ترجمة حرفية لبعض الكتب الدراسية من اللغة الإنجليزية إلى العربية في العلوم والرياضيات، وتعاني نواتج هذا المشروع من العديد من المشكلات نظرا لعدم إعداد المعلمين وتهيئتهم بالشكل الصحيح لهذه المناهج وتنفيذها، هذا بالإضافة إلى أن طلابنا غير مستعدين، أو غير قادرين على الاستفادة من هذه المناهج المترجمة لأنها مطورة لطلاب في مجتمعات مختلفة عن واقعنا، وطلابنا غير جاهزين لتعلم المهارات التي تتضمنها هذه الكتب، كما أن تعليمنا بحاجة إلى الخروج من التعلم التلقيني إلي التعلم المبني على تعلم المهارات، وهنا أرى أن تطوير المناهج يجب أن يكون نابعا من الداخل من خلال خطة تطويرية شاملة لجميع التخصصات يشارك فيها المعلمون والمشرفون التربويون المتميزون والمتخصصون في المناهج في الجامعات السعودية، الجانب الآخر الذي بحاجة إلى تركيز هو المعلم الذي هو المنفذ الحقيقي للخطة التعليمية بما فيها المناهج، ففي حالة توافر مناهج متميزة، وإمكانات مادية عالية ولكن في غياب المعلم المنتمي لمهنة التدريس، وغير المتمكن من الاتجاهات الحديثة في التعليم، والتقنية لن تتحقق أهداف التعليم، فالمعلم المتميز، والمتمكن يستطيع أن يكمل العجز في بعض الجوانب، ويؤدي دورا رئيسا في تحقيق الأهداف المرجوة من التربية والتعليم، وهذا يتطلب أن يكون تدريب المعلمين من أولويات الوزارة كخطوة أولية وأساسية من تطوير التعليم، وقد يكون ذلك ممكنا من خلال عقد اتفاقيات مع الجامعات السعودية أو أي جهات متخصصة في تطوير المعلمين لتنفيذ دورات تطويرية مبنية على الاحتياج الحقيقي، كما أن الوزارة بحاجة إلى عقد اجتماعات مكثفة وبصفة مستمرة مع مؤسسات التعليم العالي المسؤولة عن إعداد المعلمين فيما يخص الكفايات التي يحتاجها المعلم لتدريس المناهج المطورة في ضوء متطلبات العصر الحالي، الجانب الآخر في مجال اختيار المعلم الحاجة قائمة لتحديد ضوابط محددة، واختبارات مختلفة للمتقدمين لبرامج إعداد المعلم بحيث نضمن التحاق المتميزين والمنتمين لمهنة التدريس من خلال شروط قبول يتم الاتفاق عليها بين الجهات المعنية، ومن المناسب أن تكون لدى الوزارة خطة للتقاعد المبكر للمعلمين والمعلمات بما يضمن ضخ دماء جديدة في مدارسنا، وللتخلص من المعلمين التقليديين الذين تعج بهم مدارسنا في هذه الأيام الذي ليس لديه أكثر مما تعلموه في برنامج إعدادهم قبل سنوات عديدة، ولم يعمل على تطوير نفسه خلال فترة عمله كمعلم. ويعاني تعليمنا أيضا من المنهج الخفي الذي أعلم أن سمو وزير التربية والتعليم مهتم به، وهذا يتطلب أن تكون هناك دراسة علمية لهذا المنهج وإيجاد آليات واستراتيجيات للقضاء على هذا التوجه الذي يؤثر بدرجة كبيرة على الحصول على تعليم عالي الجودة، ويحول دون تحقيق الأهداف السامية للتعليم.
وعند الحديث عن البيئة التعليمية بكافة مكوناتها البشرية والمادية فهي في وقتنا الحاضر بيئة طاردة للمعلمين والمتعلمين على حد سواء، وهذا يتطلب أن تكون بيئة التعليم بيئة جاذبة من حيث المبنى المدرسي ومكوناته من قاعات دراسية مجهزة لتواكب متطلبات استراتيجيات التدريس الحديثة فنيا وتقنيا، والمختبرات العلمية بحاجة إلى إعادة نظر من حيث تجهيزاتها ووسائل السلامة بها واستغلالها بالشكل السليم في العملية التعليمية، أما الملاعب المدرسية فهي بحاجة لتطوير شامل بما يضمن توافر مرافق ترفيهية مناسبة لطلاب المدارس، والمكتبات المدرسية بحاجة إلى تطوير سواء في تجهيزاتها وفي توظيفها الأمثل في أثناء اليوم الدراسي والأوقات الأخرى خارج الدوام الرسمي. أما خدمات الغذاء في المدارس فهي بحاجة لنظرة استثمارية فاعلة تضمن تقديم وجبات غذائية صحية متنوعة ومناسبة للطلاب، وللمعلمين. ومع أن هناك جهودا كبيرة في مجال إحلال المدارس الحكومية بدلا من المدارس المستأجرة إلا أن هذه الجهود قد تواجه بعض الصعوبات نظرا لشح الأراضي المخصصة لمرافق المدارس، ونظرا لزياد الطلب على التعليم فبالإمكان استغلال المدارس الحكومية القائمة حـاليا للتدريس على فترتين صباحية وأخرى مسائية وفق تنظيم معين، وهذا يحقق أن يكون التدريس في مدارس مناسبة بدلا من المستـأجرة، ويتم استغلال المبالغ التي تصرف على المستأجرة في بناء مدارس حكومية، ويضمن تخفيف الحركة المرورية التي تشهدها مدننا في الفترة الصباحية.
وختاما تطوير التعليم يتطلب جهودا كبيرة في المجـالات التربوية والتعليمية شاملة للمناهج، والمعلم والبيئة التعليمية لأن ذلك استثمار حقيقي في جيل المستقبل، وفق الله العاملين في مجال التربية والتعليم بقيادة صاحب السمو الملكي الأمير خالد الفيصل وزير التربية والتعليم.



عامر الشهراني
صحيفة الوطن