وصاية القبيلة والصراع الثقافي



لا شك أن القبيلة كجماعة تكتسب دورا تاريخيا في التشكيل السيكولوجي لأبنائها، وقد يتفاعلون معها إلى الدرجة التي تمنحها أحقية القيد والسلطة للتحكم في أساليب حياتهم، وتنتج سلطويتها منهم أشخاصا مختلفين، وعلى عكس ما يريدون، سيما أن الكثير من الأجيال انفتحت على السفر والتقدم التكنولوجي العلمي والمعلوماتي، التي تأثرت بالتبادل الثقافي مع الشعوب الأخرى، تتملكهم الكثير من الطموحات والآمال التي لا تحققها لهم القبيلة المؤسسة على نمطية ضيقة لا تمنح الخيارات، فإذا كان الفرد يريد أن يختار طريقة لحياته، فإنه يظل ملزما بمراعاة ما إذا كانت مسموحة في رأي القبيلة أو لا، وباعتباره يبقى متمسكا بأحلامه حتى ولو صعب عليه تحقيقها، وإذا كانت هذه الأهداف تقع تحت ضغط التوقعات والمعايير القبلية، ومن ثم إعاقته عن الحصول على فرصته في تحقيق ذاته، فهو لا يملك إلا طريقة الخروج عليها؛ لأن هذه الحالة قد تجبر الفرد على التمرد دون أن يقدم أي بدائل لقبيلته، وهذا لأن رغبته في تحقيق ذاته تتفوق على تلك القيود.
في تكوين الجماعات التقليدية والبدائية، كانوا يحكمون على الخارج عن حدود التسامح الجماعي في معايير الجماعة بالقتل أو النبذ، كذلك كان يحدث في البادية، وفعلهم هذا يبنى على الظن بأن هذه إحدى الطرق التي تساعد الجماعة على البقاء والاستمرارية، في حين أن هذه الممارسات لا تزال موجودة لدى قبائلنا فيما يخص النبذ، وتعدّ ورقة رابحة يمكن استخدامها في تقييد أي شخص يخرج عن طريقتها الفكرية وآرائها الرجعية، وهنا أشير إلى المخالفات "العرفية" التي لا يعتد بها القانون في الدول الحديثة، كمخالفات تحسب على صاحبها، فضلا على أن التمسك بالأعراف أخذ في التفاوت واختلف نسبيا عن ماضيه.
وجود الصراع الثقافي نتج عن هذا الضبط والضغط الجماعي المتعسف المعادي لفطرة الإنسان، الذي يتكون من فعل الفرد نفسه ورد الفعل الجماعي، الأمر الذي كوّن جماعات جديدة وصغيرة تجمعهم وحدة هدف وطريقة فكرية متفق عليها ولو اختلفت مرجعياتهم القبلية، وهذا ما قد يؤدي إلى تصدع المعايير الراسخة لدى القبيلة واختلاط المفاهيم والقيم.
ربما يكون تضامن القبيلة كجماعة أقوى، ولكنه يجحف كثيرا في حق الفرد، ويغيب شخصيته، وبالمقابل فالمجتمعات الحديثة الأكثر انفتاحا وتعددية تترك للفرد حرية الخيارات، وهذا من أهم الأسباب التي تصنع النجاح، وهذا يفسر التطور والنهضة التي تجاوزتنا ووصلت إليها تلك المجتمعات.
من الصعب جدا على الفرد أن يفكر بعقل خلاق ومنتج، طالما بقي يعتد بوجود قوة مسيطرة تتحكم به من بعيد، وتحرم عليه ما يريد، وبنيت وفق مفاهيم خلطت الدين بتعصب القبيلة الجاهلي، ليست من الدين في شيء، وليس من حقها أن تملي على الفرد قيمها وأراءها، وهي بذلك لا تستحق أن يعيرها الفرد اهتمامه، بل عليه التجرد منها والمضي نحو النجاح.



مها الشهري 2014-01-16 1:01 am
صحيفة الوطن