خالد الفيصل .. وتجاوز التفاصيل
د. محمد الكثيري
صحيفة الرياض

ستكون كتابتي لخالد الفيصل واضحة ومباشرة، مسترجعاً فيها مقالاً كتبته في عدد هذه الجريدة رقم 14754 وتاريخ 15 نوفمبر 2008م تحت عنوان "خالد الفيصل .. هل نحن جاهزون؟" ناقشت فيه مدى جاهزيتنا للتحول للعالم الأول، كما ينادي خالد الفيصل بذلك، واختتمته بقناعتي أن لدينا القدرة للتحول أما الجاهزية فهي مازالت تحتاج الكثير من العمل والعناء.

وانطلاقاً من ذلك سأكتب لوزير التربية والتعليم مختلفاً عما كتبه الكثير من تركيز على المنهج والمعلم والمبنى المدرسي، وهذه في الغالب القواسم المشتركة لما كُتب لخالد الفيصل، بعد تعيينه وزيراً للتربية والتعليم لأقول للأمير، صاحب النجاحات المميزة، إنك إذا أردت تطوير التعليم، ونقلنا من خلاله إلى مرحلة من مراحل التنمية الأكثر تقدماً، فعليك أن تنظر الى الاعلى كثيراً كما يفعل الطامحون وأصحاب الرؤى، لتلتقط الهدف دون أن تشدك الوسيلة في هذه المرحلة.

عليك أن تنظر إلى ماذا نريد من التعليم كي نوجد الوسيلة المناسبة لإيصالنا إلى ما نريد. ما يكتبه إعلامنا عن التعليم، وما نناقشه في مجالسنا الخاصة والعامة من منهج ومعلم ومبنى هي وسائل، وللأسف الشديد أن هذه الوسائل أصبحت لكثرة ما بها من العلل "والبلاوي" محور حديثنا واهتمامنا لدرجة نسينا معها هدفنا من التعليم وتطلعاتنا وطموحاتنا منه.

علينا أن ندرك أن التعليم وسيلة لتحقيق هدف، وأن الوزارة بمبانيها وموظفيها واداراتها ومعلميها ومناهجها وكل ما فيها هي وسائل لتحقيق ذلك. إذا لم نكن قادرين على تحديد ذلك الهدف ومن ثم تهيئة وتكييف تلك الوسائل لتحقيقه فإننا سنظل نحور وندور حول هذه الوسائل، وسنضيّع سنوات أخرى من عمرنا لنقاش موضوع التعليم ومبانيه ومعلميه.

الهدف من التعليم، كما أفهمه، وكما فهمته الدول التي سبقتنا في التنمية، بل الدول التي بدأت معنا في هذا المجال، ولكنها تفوقت كثيراً حينما أدركت الهدف وطوعت الوسيلة هو صناعة الانسان.

لن أعود إلى قصص التنمية القديمة، بل سأستشهد بقصص نعيشها ونشاهدها لدول بدأت خططها التنموية في نفس الفترة التي بدأنا خططنا، أي أننا بدأنا سوياً قبل قرابة الأربعين عاماً، والآن لا وجه للمقارنة بين ما أنجزوه، وما حققناه نحن، بل لا وجه للمقارنة بين ما حققوه هم وما حققته الدول الغربية التي تعتبر أم التنمية الحديثة وأباها.

ان دولاً مثل كوريا الجنوبية وسنغافورة وماليزيا وغيرها الكثير أدركت الفرق بين الغاية والوسيلة في خططها وبرامجها، وادركت أن التعليم غايته صناعة الانسان بشروط ومواصفات معينة؛ لذلك لم يكن لدى تلك الدول مشكلة في مبنى مدرسة أو صياغة منهج أو إعداد معلم، لأنها أدركت أن هذه وسائل يجب أن يتم إعدادها بما يحقق الغاية، بل يجب تطويعها وتكييفها بما يتماشى مع الغاية التي قد يستجد عليها بعض التطوير والتحسين.

إن ما أخشاه، يا سمو الأمير، أن يدفعك موظفو الوزارة، وكلام المجالس، وحديث الإعلام وتغريدات مواقع التواصل الاجتماعي إلى أن تغرق في الوسائل وتنصرف عن الغايات.

والقياديون أمثالك تجذبهم الرؤى وتدفعهم التطلعات وتغريهم الغايات والأهداف والمنجزات، ويؤمنون بأهمية الوسائل ويدركون دورهم في الوصول إلى تلك الغايات دون أن تأخذهم تلك الوسائل عن هدفهم الأسمى وغايتهم المثلى.

خلاصة الكلام، إنك إذا أردت تحقيق حلمك في التحول للعالم الأول، فإنك وضعت في المكان الذي من خلاله تستطيع صناعة الإنسان الذي سيقود ذلك التحول، فاصنع انساناً بشروط العالم الأول وسيكفيك هو عناء ذلك التحول. حدّد الهدف ثم كافح ونافح، بل وحارب، لايجاد الوسائل التي تمكنك من تحقيق ذلك الهدف، واعمل على تطويع تلك الوسائل وتكييفها كلما استجد جديد في شكل ذلك الهدف..