لا تسمح بنقد التحطيم أن يؤثر عليك

من منا لم يقابل في حياته من يعمل على إحباطه بكل الطرق المشروعة منها وغير المشروعة، يريد أن يشعرنا بأننا أقل منه، أو بأننا لا نصلح، وأن ما نقدمه لا يرتقي حتى لدرجة المقبول، وقد يتعدى إلى الأمور الشخصية كالشكل الخارجي من مظهر أو سلوكيات.. يتصرف الفرد عن صفاء وطيبة قلب فتفسر على أنها ليست سوى خبث ورياء! قد لا نستطيع تجنب مثل هؤلاء البشر، فطالما أننا نمر بهذه الحياة لا بد أن نقابل هذه النوعية، لا تستطيع أن تتفاداهم ولكن تستطيع أن تدرب نفسك على كيفية التعامل معهم.
لنعلم أولاً بأن من يحتوون على هذه السمات في شخصياتهم عادة ما يكونون أنفسهم يتألمون لسبب ما، تعساء يعنانون من مشكلة نفسية ولا يستطيعون الشعور بالرضى عن أنفسهم سوى بمهاجمة الغير؛ تكنيك يبعد عنهم التفكير بنقص ما يعانون منه، وقد يكونون ممن يحب السيطرة وفرض الرأي للتغطية والتمويه، وبعضهم قد يكون مر بصدمة لا يعرف كيف يتعامل معها غير أن يجعل الغير يتألم ليرتاح.. مهما كان السبب يجب أن تعلم بأن الأمر مشكلتهم وليست مشكلتك، ومتى ما أدركت ذلك تستطيع أن تخرج من الدائرة التي يراد لك أن تسجن بداخلها وتكون بذلك هدفا سهلا لتفريغ كميات الكراهية والغضب والإحباط والألم، وحين تفعل ذلك تستطيع أن تفعل ذلك وتصبح خارج الكادر تصبح أنت المشاهد وليس الضحية، وعليه تستطيع أن تفكر بكل أريحية وتتضح أمامك الصورة، تمرد واعلن رفضك بأن تكون الضحية.. ولا تعطِ أحدا مهما كان، زمام المبادرة في تحطيمك، وكن أنت المبادر صاحب قوة اتخاذ القرار.
كم مرة شعرت بالندم لأنك لم ترد أو تقول شيئا تدافع فيه عن نفسك؟ ولكن في حقيقة الأمر يجب ألا تعطي الأمر كل هذه الأهمية، لأن الغرض الأساسي هو سحبك لكي تنزل إلى مستواهم من التفكير، بل المراد أصلا التلذذ بردة فعل يعملون من أجل أن تظهر عليك ليرتاحوا نفسيا.. كيف تتصرف؟
كنت في دورة وكان المطلوب من الآخرين في المجموعة أن يمروا على أعمال الزملاء ويتحاوروا معهم للاستفادة، بدأت بالشرح لكل من توقف أمام لوحتنا.. وبكل احترام كان النقد يقدم للاستفهام أو الاستزادة، إلى أن أتى دور من كان واضحا من اللحظة الأولى أن الهدف كان التحطيم والتحدي، حافظت على ابتسامتي وأجبت، وعندما تم التيقن بأنني لن أتزحزح عن مسار التقديم أو أفقد أعصابي وأرد بهجوم، توجهوا إلى المنصة التالية، سارعت أنا وقلت "شكرا على دعمكم"، وحولت انتباهي للمجموعة التالية، ما أريد توضيحه هو ألا تعطي من يريد أن يحطم أو يقلل من شأنك الفرصة بأن تتخلى عن أعصابك، ويشتت تفكيرك عن الهدف الأساسي للعمل الذي تقوم به، كلمة "شكرا على رأيك" تكفي وبهذا تقلب الموقف لصالحك، لأن الشكر لا يعني بالضرورة أنك موافق على النقد أو الرأي الذي من الواضح لم يكن من أجل المصلحة. إنه فقط قطع للطريق على من يريد أن يشوش عليك، أن يأخذك إلى مكان آخر غير المكان الصلب الذي تقف عليه.
وأحيانا يكون النقد مؤلما، ليس لأنه في غير موضعه، بل لأنه قد يكون ضربا على وتر حساس بداخلنا، وهنا أيضا يجب ألا تكون ردة الفعل مباشرة، مرة أخرى كلمة "شكرا" تفي وتنهي الموضوع، ولكن يجب بعدها أن نستفيد من الموقف، كيف؟ أن نسأل أنفسنا ما الذي جعل هذا التعليق يحرك شيئا بداخلي؟ كيف أن هذه النقطة واضحة للغير ولم أنتبه لها؟ ما الذي يجب أن أعمل عليه كي أطور نفسي كي لا يظهر هذا الأمر مرة أخرى؟ المهم هنا أن تأخذ الأمر للتعلم عن نفسك؛ أي لا تربط الأمر بمن قدم النقد، إن كان القصد إحراجك وليس تعليمك أو مصلحتك.. نحن نحول الموقف لمصلحتنا من خلال تحليل مشاعرنا في تلك اللحظة لنعرف لماذا تضايقنا، لنتعرف على مكمن النقص.
تذكر بأن من يجب أن تعمل على رضاه، بعد الله سبحانه، هو نفسك.. أن تكون واثقا مما تقوم به ولا تترك نفسك تتحرك حسب آراء الآخرين، وبما أنك واثق من مهنيتك وقدراتك، وشعرت بأن من يهاجمك يقوم بذلك على شكل دائم، لا تسمح له بذلك، بل يجب أن توقفه عند حده، بأن تذكره بأن هناك إيجابيات تقدم مع النقد لكي يتقبلها الفرد، اختر مفرداتك بكل دقة، بحيث لا تخرج عن حدود اللياقة في الحديث، لأن بعضهم حين يدرك بأنك صلب وواع يتراجعون، وبعضهم يستمرون، هنا تشكر وتتجاهل الموجات السلبية وتعتمد على الموجات الإيجابية بداخلك، فبالنهاية لا يصح إلا الصحيح، وعملك ورقي سلوكياتك سوف يكونان واضحين لك أولاً، ومن ثم للباقي من حولك.
لا أريد أن نسير في الحياة ونأخذ كل نقد على أساس أن صاحبه يريد أذيتنا، هناك الكثير ممن يريد لنا الخير، ولكن قد تكون طريقتهم جافة بعض الشيء، المهم أن نعرف كيف نفرق ونعرف كيف نتحكم بردة الفعل، لا نريد أن نخسر من يريد لنا الخير، ولكننا أيضا لا نريد أن نقضي حياتنا في خندق الدفاع وننشغل عن حياتنا بالاستسلام للإحباط والألم.


ميسون الدخيل 2014-02-04 1:42 am
صحيفة الوطن