كم سنفقد من زهرات الوطن؟
كم سنفقد من زهرات الوطن، في ظل هذا الوضع الذي لا يتغير ولا يتبدل رغم الحوادث المأساوية التي كان يمكن تداركها، أو تقليل خسائرها لو تم التعامل معها بسرعة وحرفية
نبيلة حسني محجوب
صحيفة المدينة
الأربعاء 12/02/2014
لا يزال أصحاب العقليات المتشددة يديرون، أو يشرفون أو يحرسون بعض الجامعات والمدارس، ومازالت تلك المؤسسات التربوية تغلق أبوابها بالسلاسل والأقفال على الطالبات والمعلمات، حتى الأمهات الزائرات أو المراجعات لا يسلمن من البقاء خلف الأبواب المغلقة، ولا يستطعن الخروج بعد إنجاز مهمتهن إلا بإذن خطي من المديرة يقدم للحارس وربما يضطررن لاستجدائه ليسرع بفتح الباب.
ولا تزال الأسوار العالية تحيط بالمدارس والجامعات، وكأنها سجون لا مؤسسات تربوية، وفي ظروف الطوارئ لا يسمح للطالبات المذعورات بالفرار بدواعي الفضيلة، كما حدث في حريق المتوسطة 31 بمكة المكرمة في 2002م عندما منع رجال من هيئة الأمر بالمعروف أو من المحتسبين، أولياء الأمور من الدخول ومنعت الطالبات من الخروج بدعوى الحفاظ عليهن حتى الموت، وتخشى المسؤولات استدعاء الإسعاف أو المطافي في حالة حدوث حالة طارئة أو نشوب حريق لا قدر الله.
المسؤولة داخل المؤسسة التعليمية لا تملك من الصلاحيات، ولا من الجرأة ما يمكنها من اتخاذ الإجراءات المناسبة للحالة الطارئة التي تواجهها، لا بد لها من الاتصال بقسم « الرجال « الذي يملك كل الصلاحيات، لذلك سارع مدير جامعة الملك سعود بتقديم العزاء لأسرة الطالبة التي راحت ضحية الفشل في التعامل مع حالة طارئة يمكن توقع حدوثها أو حدوث أي طارئ يستدعي التدخل السريع من قبل مسعفين أو رجال مطافئ أو أمن في جامعة تحتشد فيها الآلاف من الطالبات وعضوات هيئة التدريس والإداريات والعاملات.
حتى الآن لا تزال أقسام الطالبات تابعة، والعميدة هي وكيلة شؤون الطالبات، لماذا حتى الآن لم يتغير هذا النظام، وهناك عميدة لجامعة الأميرة نورة، ونائبة وزير التعليم، و30 سيدة في مجلس الشورى؟!
الحزن، والألم، وكل الكلمات والمقالات لا تجدي شيئاً بعد صعود الروح الى بارئها، فقط هي فضفضة، أو تنفيس عن الغضب، كما يحدث بعد كل حوادث الإهمال، أو التعنت والوصاية،نثور، نسود الصفحات، كلمات ومقالات، ثم تعود الحياة تسير على نفس الوتيرة؛ إهمال متفشٍّ في معايير السلامة، ولا يوجد رقم موحد يسهل استدعاء الإسعاف مثلاً، ولا توجد مسعفات يتواجدن بشكل دائم لضرورة التعامل مع الحالة إذا كانت طفلة، شابة، امرأة متقدمة في العمر.
كم فقدنا من زهرات الوطن في ظروف قريبة من وفاة المغفور لها بإذن الله الطالبة آمنة باوزير، شهيدة الإهمال والتباطؤ والوصاية والتعنت،ولن تكون الأخيرة، طالما لا تتوفر وسائل السلامة داخل المنشآت التعليمية، ولا يزال الإسعاف بطيئاً، والمسعف ليس لديه المهارات الكافية للتعامل مع مختلف الحالات، ولا يملك الإمكانيات والأدوات التي تمكنه من القيام بأبسط المهام.
الموت علينا حق، والأعمار بيد الله، لكن الغريق يتعلق بقشة كما يقولون، والثانية تفرق في مثل هذه الحالات، كيف اذن بالساعات المهدرة في التخبط، والتعنت، ومصعد الخدمات المعطل، ومسعفين بدون أجهزة وسيارة إسعاف غير مجهزة، ألا يمثل كل هذا جملة من أسباب أدت الى إنهاء حياة شابة؟
كم سنفقد من زهرات الوطن، في ظل هذا الوضع الذي لا يتغير ولا يتبدل رغم الحوادث المأساوية التي كان يمكن تداركها، أو تقليل خسائرها لو تم التعامل معها بسرعة وحرفية كما يحدث في العالم المتحضر، ما هي الحضارة اذا كنا لا نملك وسائل إنقاذ حديثة وقرار حازم واجراء سريع؟!
وسائل الإنقاذ السريعة والمجهزة، القرار الحازم، والإجراء السريع، هي هذه المعايير الواجب توفرها في كل مرفق يضم أرواحاً يمكن أن تتعرض لأزمة قلبية، نوبة صرع،إغماء سكر، ضغط، جلطة، أو أي عارض صحي يستدعي التدخل السريع، وأي تدخل يعيق هذه الإجراءات لا بد أن يتحمل المسؤول عنه المسؤولية الجنائية في حالة حدوث مضاعفات أو وفاة نتيجة اعاقة الإجراءات السريعة، كذلك وسائل الإنقاذ كالإسعاف وعربات المطافي، لا بد أن يتحمل مسؤولوها مسؤولية التباطؤ عن الوصول في زمن قياسي، أو عدم الجاهزية، ونقص الأدوات والمعدات.
متى تهتم الجهات المعنية سواء كانت وزارة الصحة، أو الهلال الأحمر، بتوفير وسائل إنقاذ حديثة ومجهزة بأدوات طبية وكوادر مدربة، ورقم موحد للطوارئ؟
ومتى تستطيع المسؤولة في المدرسة أو الجامعة اتخاذ قرار حازم وناجز، وإجراء سريع ورشيد؟
المشاريع التعليمية الكبيرة التي تكلفت مئات الملايين من الريالات لا تتوفر بها أدنى معايير السلامة، من المسؤول؟
ومتى يعاقب المهندس الذي صمم المشروع، والمقاول المنفذ، والجهة التي أرست المشروع وأشرفت واستلمت؟
أخطاء تذهب ضحيتها أرواح بريئة، التصحيح لا يجدي بدون عقاب يناله المسؤول المتورط والمتهاون والمطنش والمتعنت قبل أن نفقد روحاً أخرى بريئة نتيجة أي سبب من تلك الأسباب.