ضد المعلم!
تركى الدخيل
صحيفة عكاظ


قبل أيام، كنت في مركز تسوق في جدة، اقترب مني رجل وقور في الخمسينات. استأذن أن يحدثني في شأن يرى أهميته، ويعتقد أن الإعلام مُقصر فيه.
قال: أنا معلم، أعمل في المدينة المنورة، وأفتخر بوظيفتي، لكني أرى أن هناك امتهانا لهذه المهنة، مما يقلل من قيمتها.
أضاف: أنتم في الإعلام، تنشرون أخبارا سلبية عن المعلمين. عندما يخطئ معلم ما، فهذا لا يعني أن كل المعلمين موغلون في الخطيئة. عندما يتجاوز معلم، فمن قال إن ذلك يقتضي أن يكون المعلمون كلهم متجاوزين؟!
قلت: أوافق الرأي تماما، لكن، هل يعني هذا أن نتغاضى عن نشر إساءة فلان من المعلمين، أو خطأ علان من المعلمين؟ هذه هي الأخبار في الدنيا كلها.
قال لي: لكنكم لا تنشرون إلا الأخطاء. لا تنشرون الإحسان، والتعب، والنصب، الذي نعانيه، بل إننا أصبحنا مهددين، في حياتنا، وأموالنا وسياراتنا، من الطلبة الطائشين. قلت له: هذا مستنكر، وتنشره الصحف. ووفقا لما تفضلت به، فمن المؤكد أن خطأ طالب، وقلة أدبه، وسوء تصرفه، واعتداءه المخزي على معلمه، باللفظ، أو باليد، مما تتفق الثقافات على إدانته، لكنه لا يعني أن كل الطلاب مخطئون مثل هذا المسيء. ولو سرنا على قاعدتك نفسها، لما نشرنا خبر الإساءة.
كثير من الفضلاء يعجز عن استيعاب حركة الآلة الإعلامية.
لدينا نصف مليون معلم تقريبا. ليس خبرا أن تنشر صحيفة أن نصف مليون معلم استيقظوا بنشاط، وارتدوا ملابس نظيفة ثم توجهوا بحفظ الله ورعايته لمدارسهم، فعلموا، وأدبوا، وبنوا الأمم. مع أن هذا صحيح تماما.
الخبر ألا يفعلوا كلهم أو بعضهم ذلك.
دعك من الأخبار. لو أن رجلا اتصلت به والدته التي لا تسكن معه، لتطمئن عليه، فقال لها: أبشرك يا أمي أني نمت البارحة في العاشرة، واستيقظت فجرا، واغتسلت، وأفطرت، وأخذت أبنائي لمدارسهم، ثم ذهبت لعملي، بعد أن قدت سيارتي في مشواري المعتاد.
لو فعل ذلك، لربما سألته والدته: عسى ما شر يا وليدي!
لكنه سيخبرها لا محالة، بغير المألوف، كأن يصاب بنوبة قلق تحرمه النوم، أو أن يتعرض لتسمم من وجبة سيئة، ونحو ذلك. فخلاف السائد هو ما يستحق الرواية!.