تعليم الرقص ورقص المعلمين يا سمو الوزير
يستطيع المعلم وغيره في مسرح أو حفلة أو أي مكان أن يرقص كما يشاء، ولكن لكل مقام مقال وسلوك وتصرف، يا سمو الوزير هؤلاء ليسوا أهلا لتعليم طلابنا، وهم ينتقصون من كرامة وعزة وحياء وأخلاق ستمئة ألف معلم ومعلمة

تناقلت وسائل التواصل الاجتماعي التسجيل المصور للحفل الراقص في باحة المدرسة، الذي خطط له ونفذه أساتذة سيماهم في وجوههم وهم يرددون أغان بعينها، ورأينا رؤوس الطلاب تتمايل مع أساتذتهم في تحد صارخ للمجتمع والدولة وللمؤسسة التعليمية التي تعاني من عدم احترام المعلم من قبل الطلاب، ممن ينظر إلى أساتذتهم على أنهم المثل الأعلى والقدوة الحسنة التي يقتدون بها، ورجعت بي الذاكرة إلى الأيام التي كنت فيها طالبا مع غيري من الطلاب، بعضنا يذهب حافيا إلى المدرسة وبثوب واحد على مدار العام، ثم معلما قبل ربع قرن من الزمان، وكيف كان المعلمون والطلاب والمجتمع؟ كان الاحترام والتقدير والغيرة والثفقة والتربية هي الصفات السائدة في المدارس، وكان العقاب سيد الموقف على من تسول له نفسه الاعتداء على كرامة وحرمة المؤسسة التعليمة أو من يتهاون بمسؤوليته فيها.
هناك انضباط كبير من قبل الجميع، حتى إن أهالينا يقولون للمعلمين، لكم اللحم ولنا العظم، ولكن رغم الضرب والقسوة وبدائية الحياة كانت القيم والشيم والمبادئ تحيط بالمؤسسة التعليمية وتحميها وتحترمها. وكانت هناك معاناة كثيرة للطلاب من معلميهم الجادين الذين يكلفونهم بالكثير من واجبات الكتابة والقراءة والحفظ والخط والتعبير، ثم يعودون للمنازل للمشاركة في الرعي والري وغيرها من التزامات الحياة اليومية لأهل القرى، وحتى من يعيش فيما يشبه المدن، لقد انتكس التعليم نتيجة متغيرات كثيرة، أولها الذين تخرجوا من المؤسسات التعليمية ثم عادوا معلمين فيها ليحاربوا من خلالها المجتمع، ضمن بعض التيارات السياسية التي نتجت عن الخلل في التعليم العالي، وأيضا نتيجة الصراعات الدولية التي انعكست سلبا على الوضع الداخلي، فدخل معها الكثير من المؤثرات والتجييش الذي ارتد على الوطن والمجتمع.
وخلال العقود الماضية، حدثت تغيرات هائلة في التعليم فيها الإيجابي وفيها السلبي، ولكن السلبي قد يكون أثره وخطورته قاتلة للمجتمع والدولة. فضعف المدرسة التي تعد هي المؤسسة الرسمية الأولى المسؤولة عن بناء المواطن الصالح الذي يدافع عن القيم والأعراف والأخلاق الحميدة ويزرعها في الأجيال القادمة. هذا المعلم الذي ينتسب لأشرف مهنة عرفتها الإنسانية يجب أن يكرم ويقدر ويعزز دوره، وترفع مكانته إذا أخلص والتزم بالضوابط وأخلاقيات التعليم، وعرف أن وقوفه أمام أبناء المجتمع شرف نبيل لا يحظى به بعض الآباء ولا الأخوة والأعمام والأخوال. في المدرسة يعيش الطالب أهم فترة في حياته، ويتلقى فيها ما يغير مسار حياته إلى الأبد، ومن هؤلاء المعلمين آباء لو جاء أولادهم يتحدثون عن معلميهم بما رأينا لغضبوا وعابوا وانتقدوا تلك الممارسة المشينة؛ لأنها تنعكس سلبا على أولادهم. اليوم نشهد انفلاتا وتطاولا وخروجا من قلة قليلة من المعلمين غير المنضبطين، ممن يخوض مغامرات مجنونة، بعضهم غرر بهم، وبعضهم كما لاحظنا ممسوك بيده، حتى يكون شريكا في تلك الممارسات الخاطئة.
يستطيع المعلم وغيره في مسرح أو حفلة أو أي مكان أن يرقص كما يشاء، ولكن لكل مقام مقال وسلوك وتصرف، يا سمو الوزير هؤلاء ليسوا أهلا لتعليم طلابنا، وهم ينتقصون من كرامة وعزة وحياء وأخلاق ستمئة ألف معلم ومعلمة، ويصورونهم على أنهم بهذه الصفات الذميمة وهم عنها براء، ونحن أبناء الميدان ونعرف كيف يتعرض البعض للتغرير بهم من بعض المغرضين، الذين قد تتعدى ممارساتهم الأخلاق إلى العبث بأمن الوطن والمواطنين. من أمن العقاب أساء الأدب، ولهذا فإن أهم قرار يجب أن يكون بطردهم من المدارس، ونقلهم جميعا دون تردد إلى أقصى قرى المملكة، أو منحهم التقاعد، والاستفادة من مدارسهم في النقل الذي يحتاج إليه الكثيرون من المعلمين، الذين يستحقون أن يكونوا في تلك المدارس، ثم يجب أن يتم التحقيق الأمني وليس التعليمي في هذه القضايا؛ لأنها تهدد أمن الدولة وتنشر الفوضى وعدم الاحترام للأنظمة التي تمثل المواطن والوطن. ونحن هنا لا نتزلف ولا نزايد على أحد، ولكن الوطن فوق الجميع، ولا مجال فيه للعبث والفوضي ونشر الشعور بعدم النظام وبسقوط القيم والأخلاق والأمن، ثانيا يجب أن تبادر الوزارة إلى إعادة تأهيل مديري المدارس بشكل منتظم ليس بدورات كما يتم في كليات التربية، ولكن ضمن برنامج إداري يخضع فيه المديرون والمشرفون التربويون للتقييم المستمر، ومن لا تنطبق عليه المعايير والمواصفات اللازمة لإدارة المدرسة يحال للتقاعد المبكر أو التدريس.
ومن مشاهداتي، فقد قدمت محاضرة لأربعين مدير مدرسة ضمن دورة تدريبية، ولا حظت أن هناك كبرياء وعدم مبالاة من بعضهم، بل بعضهم مستهتر للغاية، وليس لديه الرغبة في التجاوب فكيف يمكن أن يكون مديرا لمدرسة ومشرفا على المعلمين فيها؟ نريد المدير الذي يبادر ويتفاعل ويطور مهاراته ويتجاوب مع ما يطلب منه من قرارات ومن مشاهدات وملاحظات عن سير العملية التعليمية وعن وضع المعلمين والطلاب وحتى علاقة المدرسة بالمجتمع والأسرة وغيرها من الجهات التي تتعلق بالمدرسة، نحن بحاجة لمعلمين أذكياء يستوعبون التحديات التي تحيط بالمدرسة وتؤثر على أدائها مثل الإعلان والإعلام الموجه ضد الوطن والمواطنين الذي يعبث بعقولهم وأفكارهم وقيمهم وانتمائهم وولائهم، وعن صحة المعلومات التي تدخل إلى المدرسة من الشارع والمنزل وغيرها من مصادر التأثير السلبي التي تتعارض مع ما يجب أن يتعلم الطلاب في المدرسة.
والسؤال هل هذا بداية تعليم الرقص؟ وهل أصبح المعلم جزءا من الحل أم جزءا من المشكلة؟
الخطورة في التمادي وتمرير هذه القضية دون عقاب جماعي بحق الراقصين من المعلمين ودون استثناء، بعد التحقيق معهم ومعرفة الدوافع خلف تصرفاتهم؛ لأن هذا سوف يشجع غيرهم على العبث بالمؤسسة التعليمية، ثم العبث بأمن الوطن، ولكم جميعا أن تتصوروا مستقبل الوطن والمواطن وأولادكم مع مثل هؤلاء المعلمين، وكما قال خادم الحرمين الشريفين، وطن لا نستطيع الدفاع عنه والحفاظ عليه لسنا أهلا للبقاء فيه.


علي عبدالله موسى 2014-02-18 1:11 am
صحيفة الوطن