اليونسكو.. وتحقيق المساواة في جودة التعليم
لنحقق ما نصبو إليه في جودة مخرجاتنا التعليمية لابد من فرض نظام للمحاسبية، فالأمر يستحق أن نكون أحرص الناس على ثروة حقيقية، هي الإنسان، فالاستثمار في عقول البشر، هو الكنز الحقيقي الذي لا يقدر بثمن
منى يوسف حمدان
صحيفة المدينة
الخميس 27/02/2014
في عصرنا الذي نعيش فيه تزايدت حدة المنافسة العالمية والتحديات القائمة على الثروة المعرفية الداعمة للاقتصاد العالمي وجودة المخرجات التعليمية، وأصبح لكل دولة من الدول خططها الإستراتيجية التي تدفع بعجلة التعليم قدمًا نحو مدارس المستقبل.. فالتعليم هو المحك الحقيقي والمحضن الأساس الذي يعد الأجيال التي تتمتع بمعايير الجودة الموائمة لمتطلبات القرن الواحد والعشرين.
في كل دول العالم هناك حقيقة لا حياد عنها تؤكد على أن التعليم هو الغاية والهدف الذي يدور في فلكه المخططون وواضعو السياسات العليا، لذلك تضخ الميزانيات الضخمة من أجل هذه الغاية.
على مدار أربعة أيام في العاصمة الرياض، وبرعاية صاحب السمو الملكي الأمير خالد الفيصل وزير التربية والتعليم، نظمت الإدارة العامة للجودة الشاملة بالوزارة الملتقى الدولي الأول نحو تحقيق المساواة في جودة التعليم والتعلم الفاعل المستدام -مقارنة منظومية- بالتعاون مع منظمة اليونسكو.
تنوعت أوراق العمل والورش التدريبية المصاحبة، ومن خلالها تم تبادل الخبرات الدولية في مجال تشخيص جودة التعليم وإجراء المقارنات المنظومية لتحسين جودة التعليم والتعلم، واستعراض الاتجاهات العالمية الحديثة لتسهيل عمليات التعلم وتحسين نظم مراقبة المخرجات التربوية وتعزيز فعالية التعلم.
وتوقفت عند ورقة الأستاذ الدكتور بدر الصالح من جامعة الملك سعود الذي تناول موضوع دور التقنية في تحسين التعلم ومن خلالها ركز على أهمية تغيير الواقع الذي نعيشه عندما جعلنا عملية الدمج قاصرة على وضع السبورات التفاعلية واستخدام العروض الإلكترونية والتي لا تحقق المعنى الحقيقي للدمج، وكأننا لم نعِ ماذا نريد من الطالب في استخدام فعلي للتقنية.
هذه التقنيات المستخدمة إن لم توظف بشكل حرفي وعملي تفاعلي يكون فيها المتعلم نشطًا، ستمر الأيام ويعتاد على وجودها حتى تفقد بريقها، وتصبح بالنسبة له كالسبورة التقليدية والطباشير.
نحن بحاجة إلى تغيير في المناهج لتكون معتمدة على التقنية، وأن يصبح حال مدارسنا كالشركات والمصارف التي إن تعطلت أجهزتها الإلكترونية تعطل العمل فيها، هكذا ينبغي لنا أن نكون في مدارسنا، لنقول دمجنا التقنية بالتعليم.
توقفت أيضا عند مداخلة قدمت للدكتور علي الحكمي، وعن تجربة المملكة في مشروع تطوير، وكلنا فخر بهذا المشروع العملاق الذي يستعرض الرؤى والاستراتيجيات والخطط المستقبلية، بينما يحرم المجتمع من الحديث عن الكم الفعلي من المنجزات التي تحققت، فالمجتمع يريد تواصلًا إيجابيًا وتفاعلًا مستمرًا على قدر حجم المشروع الكبير، ويتساءل دومًا: لماذا يبقى مخرجنا التعليمي خارج المنافسة العالمية، بل يُحقِّق نتائج متدنية في العلوم والرياضيات في الاختبارات الدولية، ويبقى الكل في حيرة وهم يتساءلون ولا إجابة تقدم لهم: أين هو مكمن الخلل، ومن أين تأتي العلة لنُشخّصها ونصف لها العلاج؟!
هل العيب في النظام التعليمي؟ أم في إعداد المعلمين وتأهيلهم؟ أم في المجتمع ودعمه وشراكته في العملية التعليمية؟ أم في قلة الدافعية لدى الطلاب؟ وكيف السبيل إلى زيادة الرغبة في التعلم لدى الجيل الجديد؟!
تساؤلات عديدة مطروحة أمام المعنيين من أجل جودة وتحسين التعليم، وطموحات نأمل في تحقيقها على أرض الواقع.
المعلم أولًا يحتاج إلى إعادة النظر في اختياره، فليس كل فرد منّا يستحق أن يكون معلمًا مربيًا للأجيال، وخاصة في عصرنا الذي نعيش فيه اليوم، فلم نعد بحاجة إلا إلى المتميزين فقط من الخريجين لنصل إلى ما وصلت إليه الدول المتقدمة في التعليم، فقد جاء الوقت الذي نطالب فيه بالمعلم الذي يمتلك مواصفات ومعايير عالية الجودة.
الطالب يحتاج إلى سماع صوته والأخذ برأيه فيما نُقدّمه له في مدارسنا، وتعزيز ثقته بنفسه، واحترام شخصيته، وبيئتنا التعليمية تحتاج إلى إعادة ترتيب وتهيئة ملائمة للقرن القادم، لا نريد مباني مدرسية حكومية جديدة بمواصفات القرن الماضي من أجل أجيال قادمة نأمل منها الكثير.. الميزانيات ضخمة والفرص مواتية للإعداد الجيد، نريد فقط ممّن يُكلَّف بالإدارة والمتابعة والإشراف أن يؤدي ما كُلِّف به بروح تتسم بالنظرة المستقبلية.
النظام التعليمي والمناهج والأدوات ووسائل التقويم، والخبراء والمستشارون ومؤشرات الأداء والمعايير، لن تُحقِّق لنا تعليمًا بمواصفات الجودة التي نريد، ما لم يكن هناك نظام محاسبة ومراقبة ومساءلة دقيقة، لا مجاملة لأحد ولا محاباة، لأن القضية هي مستقبل جيل بأكمله من أجل وطن لا يراهن أحد على حبّه وصدق الانتماء إليه.
مشكلتنا الحقيقية أننا مازلنا نعيش في بوتقة التنظير والأطروحات والأفكار التي لم تجد لها مكانًا ولا حيّزا على أرض الواقع في حيز التنفيذ كما خطط لها.
خطّطنا بشكلٍ جيّد بل ومُبدع ومُبتكر، ولكننا لم نُنفِّذ بشكلٍ يتوافق مع قدرتنا على التخطيط، لماذا؟ أعتقد أن هناك دماءً جديدة تنتظر، وبحاجة إلى أن تأخذ مكانها وتنتظر الفرصة المواتية لتعطي من جهدها وفكرها ووقتها لخدمة التعليم في وطنها قبل مرور الأيام وتضييع سنوات الشباب والعطاء وينالها اليأس والإحباط والملل من كثرة الانتظار.
نقول لمن خطط شكرًا، ولمن حاول التنفيذ ولم يُحقِّق النتائج المأمولة أيضا شكرًا، كم نتمنى أن يكون لدى بعض القيادات التربوية مهارة العدّائين في سباق التتابع، ليُسلّموا مشعل النور لغيرهم كي يتابعوا المسير للوصول إلى بر الأمان، فنحن في سباق مع الزمن من أجل مصلحة التعليم في هذا الوطن الغالي على قلوبنا جميعًا.
نبض التربية والوطن:
لنحقق ما نصبو إليه في جودة مخرجاتنا التعليمية لابد من فرض نظام للمحاسبية، فالأمر يستحق منّا جميعا أن نكون أحرص الناس على ثروة حقيقة، هي الإنسان، فالاستثمار في عقول البشر، هو الكنز الحقيقي الذي لا يُقدَّر بثمن.