الاختبارات .. بين الكم والكيف
فالأمل أن تتخذ وزارة التربية إجراءً واضحًا حيال عودة الاختبارات التحريرية بمفهومها السابق، أو تُبقي على التقويم المستمر دون مزاحمته بكمٍّ من الاختبارات؛ التي لا تفي بالغرض المقصود، ولا تُحقِّق الهدف المنشود
محسن علي السُّهيمي
صحيفة المدينة
الأربعاء 14/05/2014
عقد من الزمان مر على إقرار وزارةِ التربية والتعليم (التقويمَ المستمرَّ) بديلًا للاختبارات التحريرية في المرحلة الابتدائية. خلال فترة التطبيق تلك تباينت الآراء حول جدوى التقويم المستمر، فمن قائل إن مخرجاته الهزيلة خير توصيف لعدم صلاحيته، ومن قائل إن شموليته للمهارات والمعارف كافة، وقضاءه على شبح الاختبارات التحريرية مبرران كافيان على صوابية إقراره بقطع النظر عن مدى إتقان المعلمِين لآليات وطرائق تطبيقه التي أخفق فيها غالبيتهم. العقد المنصرم الذي شهد إقرار التقويم المستمر في المرحلة الابتدائية شهد بالتوازي مع عملية الإقرار تعالي أصوات هنا وهناك تطالب بعودة الاختبارات التحريرية؛ كونها -حسب رؤيتهم- الحل الأمثل للحُكم على مستوى الطالب سواء بالبقاء أو الترفيع. المطالبون بعودة الاختبارات التحريرية ينطلقون من كونها تعطي حُكمًا (واضحًا) هو بمثابة (الركن الشديد) الذي يستندون عليه في محاججة أولياء الأمور حال إخفاق أبنائهم. وينطلقون من كون التقويم المستمر يتضمن أحكامًا (تقديرية) قابلة للنقض (الفيتو) متى اعترض ولي الأمر على حُكم المعلم (التقديري) على مهارة من المهارات التي أخفق فيها ابنه، بمعنى أن حُكم المعلم قابل للاستئناف مثله مثل قرارات لجنة الانضباط الرياضية التي تقبل الاستئناف ممن وقعت عليه العقوبة، وعادة ما يُختتم الاستئناف بإبطال العقوبة أو تخفيفها. بناء على ما سبق، ونزولًا عند رغبة أولياء الأمور وبعض المعلمين والتربويين، رأت وزارة التربية والتعليم أن تُقر أو تُعيد عملية الاختبارات التحريرية أو ما يُسمّى حاليًّا (اختبار الفترات) إلى واجهة العملية التعليمية. عندها ارتسمت علامات البِشر على محيا المطالبِين بعودة الاختبارات التحريرية ظنًّا منهم أنها سوف تجبُّ ما قبلها؛ بمعنى أن التقويم المستمر سيصبح أثرًا بعد عين، وأن الدرجات سوف تتراقص أمام أعينهم على أوراق إجابات الطلاب؛ لتضع حدًّا لممارسات بعض أولياء الأمور بحق المعلمين الذين قدَّروا أن بعض الطلاب مخفقون في بعض مهارات الحد الأدنى في نظام التقويم المستمر. ولكن، لم تدم فرحة المطالبين بالاختبارات التحريرية طويلًا حينما علموا أن الاختبارات التي أقرَّتها الوزارة لا تتعدى كونها رموزًا صامتة ممثلة في (√) أو (x) ولم ترتقِ لمستوى الأرقام، ولم تتعدَّ كونها جزءًا من عملية تقويم شاملة، وليست كما ظنوا أنها الحُكم الوحيد على نجاح أو بقاء الطالب. ننتقل من هذه الاختبارات التي لا تحمل من صفات الاختبارات الجادة إلا مسماها إلى اختبار آخر أقرَّته وزارة التربية والتعليم تحت مسمى (حَسِّن)، هذا الاختبار عبارة عن نماذج متعددة من الاختبارات تُرسل من الوزارة إلى مديري المدارس كافة، ويختار مدير المدرسة نموذجًا لتطبيقه على الطلاب، ومن ثَمَّ يُصحَّح من قِبل معلمي المواد بالمدرسة ثم تُرصَد درجات المواد في نظام خاص لا يتعلق بنظام (نور) ليكون مؤشرًا للوزارة عن مستوى طلاب كل مدرسة. ولكُم أن تتصوروا حال السرية والعدالة لاختبارات تتم بهذه الكيفية. ثم ختمتِ الوزارة الأمر بالاختبارات (التحصيلية) لطلاب الرابع والسادس الابتدائيين، وطلاب الثالث المتوسط. يضاف إلى ذلك أن بعض إدارات التربية والتعليم اجتهدت وطبَّقت بعض الاختبارات التي تجعل الطالب على صلة بعملية الاختبار، وتثير فيه عملية التنافس المفقود. القاسم المشترك الأعظم لهذه الاختبارات الأربعة (اختبارات الفترات- حسِّن- التحصيلية) بالإضافة للاختبارات المقررة اجتهادًا من بعض الإدارات أنها -جميعها- لا يتوقف عليها بقاء أو ترفيع الطالب، بل ولم يعقبها تغذية راجعة أو خطط علاجية لتلافي إخفاقات الطلاب.
وبعد.. فالأمل أن تتخذ وزارة التربية إجراءً واضحًا حيال عودة الاختبارات التحريرية بمفهومها السابق، أو تُبقي على التقويم المستمر دون مزاحمته بكمٍّ من الاختبارات؛ التي لا تفي بالغرض المقصود، ولا تُحقِّق الهدف المنشود.