تعليمنا في خطر (1)
سراج حسين فتحي
الجمعة 10/10/2014
صحيفة المدينة
أصبح التعليم في بلادنا حديث المجالس، يقحم فيه نفسه كل من لديه قدرة على الكلام، سواء أكان من أهل الميدان أم ليس له علاقة البتة، والعجيب أنه رغم كل الحوارات والمناقشات التي طالت مساحات واسعة من الزمن ومنذ عقود، وما جرى منها خلال انعقاد بعض حلقات الحوار الوطني، ورغم الإنفاق الحكومي على التعليم، إلا أن بصيص أمل لا يكاد يبين سواء على المستوى القريب أو البعيد، وهذا ليس يأسًا من واقع مرير، وإنما توجسًا من عدم توفر الإرادة الحازمة والرغبة القوية في تغيير جذري إيجابي وجاد، وخلال السنوات الأخيرة جرت بعض التغييرات «الشكلية» كما يقول بعض المهتمين، أو أنها لم تشمل كل مكونات المنظومة التعليمية، لذلك كانت عرجاء لا تحقق كل الطموحات ولا تلبي كل الرغبات!
وفي سبيل مناقشة قضية تخلف التعليم في بلادنا -كل المراحل- لابد من طرح مجموعة من التساؤلات لنتمكن من الخوض في المشكلة على قواعد واضحة ومنطلقات محددة، أما بغير ذلك فلن نصل إلى أي هدف ولن نحقق أي مصلحة، ويصبح كلامنا ردود أفعال ورجع صدى لما نقوله بين أودية سحيقة لا نهاية لها، ولنبدأ بالسؤال الرئيس وهو: «هل التعليم في بلادنا ضعيف جدا؟» أم أن الضعف في بعض مكوناته؟ مثلا: هل الضعف في المناهج أم في إعداد المعلمين، أم في عدم توفر المرافق والمباني المدرسية المناسبة والكافية؟، أم الضعف يكمن في الإدارة (القيادات التربوية)؟ وإذا كان يوجد ضعف وتدني في التعليم عامة أو في بعض مكوناته، فهل الحل هو إحلال المناهج الدولية محل المناهج المحلية؟ وهل سيتم حل المشاكل بهذه الطريقة؟!
قد لا نتمكن من الإجابة على كل التساؤلات المذكورة وغيرها في مقالة ولا مجموعة مقالات، ولكن لابد من تحريك المياه الساكنة قدر الإمكان، والحل ليس بيد شخص أو مجموعة أشخاص مهما كانت نواياهم طيبة وجهودهم مخلصة، وبصورة عامة، فإن الخلل يكتنف عامة المنظومة التعليمية من المنهج (المقررات) والطالب والمعلم والمرافق التعليمية، وإذا نظرنا إلى واقع التعليم في بلادنا سنجد أن هذه المكونات متوفرة، لكن هذا لا يعني أنها متوفرة بصورة صحيحة وسليمة، فالطلاب موجودون وبكم هائل (حوالي خمسة مليون طالب وطالبة) والمعلمون السعوديون متوفرون بنسبة كبيرة وربما أكثر من الاحتياج الفعلي في بعض المواد، أما المقررات أو المناهج فهي موجودة أيضًا، وكذلك المرافق، لكن وجود الشيء لا يعني أنه على مستوى مناسب ويحقق ما يراد منه وله، وإذا نظرنا إلى المتغيرات التي حصلت للكتب المدرسية خلال السنوات الأخيرة فقد تم استيراد مناهج أجنبية وتم ترجمتها (تكاد تكون حرفيًا) وطباعتها بصورة رائعة، لكن هل هي التي نريد، وهل تلبي متطلبات المرحلة الزمنية التي نعيشها، وهل تتناسب مع عقليات الطلاب والمعلمين والإداريين والأسرة والمجتمع، وهل تتوفر لها متطلباتها من أدوات ومختبرات وفصول وخبرات معلمين وقدرة على تفعيلها كما يجب!؟
أما بالنسبية للمعلمين كأخطر مكون في المنظومة فمعظمهم يشكل عائقا كبيرا أمام تطبيق المقررات الجديدة -خاصة العلمية- لأن أغلبهم لم يدرسها أصلا طيلة حياته التعليمية كطالب، ناهيك عن توفير الفرص الكافية ليتدرب عليها، ولا يعني حضور المعلم دورة لمدة أيام استيعابه لكل جوانب المقرر خاصة إذا كان المطلوب منه نقل خبرته إلى بقية زملائه في المدرسة، كما أن بعض المشرفين التربويين لم تمر به هذه المعلومات في حياته الدراسية أصلًا، بل إن بعضهم إن درسها فباللغة العربية وخاصة مصطلحاتها وهي اليوم باللغة الانجليزية، فكيف يمكن نقل الخبرات وإكساب المهارات للآخرين؟!
وللحديث تتمة بحول الله.