تعليمنا في خطر "2"
سراج حسين فتحي
الجمعة 17/10/2014
صحيفة المدينة
تكملة لما سبق الكلام عنه في قضية التعليم في بلادنا وما يعيشه من مشكلات بعضها مزمن والبعض الآخر متجدد، رغم كل محاولات التطوير والتجديد، ورغم تغير بعض الرموز التي امسكت بزمام هذا المجال الخطير والحساس، إلاّ أن المسيرة بقيت على المنوال نفسه دون أي استجابة لتلك المحاولات، وربما وجدت من الرموز القائمة بالمسؤولية من هي صاحبة قرار سلبي ومؤثر وفاعل دون أن تجد من يحاسبها أو يعاقبها على ما اقترفته يداها من أخطاء قاتلة، ومدمرة للطاقات كابتة للعقول مكبلة للأيدي، وهذا يشير بقوة إلى ضرورة كشف دراسة عوامل تأخر النظام التعليمي وما تسببه من انخفاض مستوى الأداء طوال عقود متتالية، ومن ثم لابد من محاسبة مرتكب هذه الكبائر التربوية ومعاقبة فاعليها أو على الأقل إحالتهم إلى التقاعد بقوة النظام أو كف أيديهم!
من القضايا التي يعاني منها التعليم في بلادنا أن مجموعة كبيرة من المعلمين القائمين بالعمل أو المضطرين للقبول به كفرصة وحيدة متاحة له، لم يتم إعدادهم أصلاً لهذا الميدان، والويل لمن يتورط من الطلاب بين أيديهم فإنه سيجد نفسه أمام معلم جاهل علميًّا (غالبًا) فاقد للخبرة والمهارات اللازمة للتدريس، ولا يعني أن بعضهم تلقى مقررًا تربويًّا واحدًا أو أكثر امتلاكه لزمام التدريس، بل سيكون عبئًا ثقيلاً، وكابوسًا مرعبًا على قلوب الطلاب والإدارة معًا، وكم من مشكلات تولدت عن هذه الحالات، ولعل أكثر من يعاني منها المدارس الأهلية طلابًا وإدارة، صحيح أن هذه الفئة لا تمثل جميع الخريجين خاصة من تشرفنا بالتعلم على أيديهم المواد الدينية واللغة العربية والاجتماعيات، لكن كان هذا في زمن مضى لأنهم كانوا يمثلون نماذج مشرقة وقوية للمعلمين الناجحين المخلصين، وشتان بين خريج الأمس وخريج اليوم!
وكما يعد المعلم من المكونات الرئيسة في منظومة التعليم فإن الطالب هو العنصر الأهم والمحور الأساس للتعليم ويعتبر اليوم قضية كبيرة، ومن المؤسف أن نسبة لا بأس بها من الطلاب وفي كافة المراحل يفتقدون الرغبة الحقيقية في تلقي العلم، وهذا ما يعاني منه المعلمون في المراحل الدراسية العامة والاساتذة في الجامعات، رغم أن معظم المباني المدرسية الحكومية جديدة ومهيأة والكتب مطبوعة بأناقة وملونة ومزودة برسوم وصور جميلة، وفي الجامعات تصرف الملايين مكافأة لطلابها شهريًّا، وبعض الجامعات تتميّز بمبانيها ومرافقها الراقية، لكن المشكلة تكمن في أعماق الشباب والناشئة، وهي هيمنة الإحباطات عليهم غالبًا، فإن تمكن من اجتياز المرحلة الثانوية وربما بجدارة، فإنه يواجه باختبار القدرات الذي أصبح معروفًا لدى الأغلبية بأنه مجرد «بيزنس» تمامًا كالفحص الدوري للسيارات، وإذا اجتاز القدرات فقد لا يجد فرصة القبول في التخصص الذي كان يحلم به، ويضطر أحيانًا لدخول مجال لا يرغبه أصلا لكنه قبل بما حكم عليه به وهنا تتولد مشكلات أخرى نتيجة عدم التوافق بين رغبات وقدرات الشاب وبين ما أجبر على دراسته!
وليس غريبًا أن تشغل قضية تردي مستوى التعليم بال وقلوب المخلصين في بلادنا، فالتعليم هو الركن الأول لأي حضارة راقية ومعاصرة وصورة واضحة لمستوى ونوعية السلوك الفردي والجمعي لأي مجتمع، ومن المؤكد أن مقالة أو مجموعة مقالات لا تكفي لحل الإشكالية، ولا حتى عقد مؤتمرات متخصصة، الخطوة الصحيحة والأكثر جدوى هو القرار من صاحب القرار الذي يحدد ملامح الطريق ويمنح الصلاحية لمن بيده زمام أمور التعليم لينطلق وفق منهجية علمية وقوية وصارمة لتحقيق طموحات كل المخلصين والمحبين لهذه البلاد ومستقبلها القريب والآجل وللحديث تتمة بحول الله.