كيف ضاع حق هذه الطفلة في التعليم؟
"ع" تعيش في قلق المساءلة الذي تتصور أنه قد يبعدها عن صغيرتها، وقلق الخوف على ابنتها ورغبتها في أن تضمن لها الالتحاق بالتعليم، بالإضافة إلى قلق البحث عن لقمة العيش من مصادر غير ثابتة



في الرابع عشر من يونيو عام 2004 أقر مجلس الوزراء بعد الاطلاع على طلب معالي وزير التربية والتعليم وقتها؛ أقر الموافقة على قرار اللجنة العليا لسياسة التعليم رقم/27ق ع بتاريخ 2/ 7 / 1422 المتعلق بإلزامية التعليم لمن هم فوق سن السادسة إلى الخامسة عشرة. هذه الخطوة تأتي ضمن مساعي المملكة لضمان رعاية الطفل وحقوقه واحتياجاته الأساسية والثانوية بشكل يتفق مع ما جاءت به الشريعة الإسلامية والاتفاقات الدولية التي التزمت بها المملكة، خاصة اتفاقية حقوق الطفل التي صادقت عليها المملكة بالمرسوم الملكي رقم م/7 وتاريخ 16/4/1416. وعليه سنت الحكومة عددا من الأنظمة القانونية واللوائح التنفيذية والقرارات والتعاميم الوزارية، بلغ عددها قرابة 131 نظاما تعنى بالأسرة والطفل، فضلا عن عدد من الوزارات والإدارات الحكومية التي تراعي حقوق الطفل.
هذا القرار الملزم بالتعليم للأطفال السعوديين قد يكون هو المنقذ للطفلة (ع) وتصحيح وضعها الأسري والتعليمي. فهي مولودة لأب سعودي وأم من دولة عربية وقد تجاوز عمرها الآن السادسة، حسبما أخبرتني به والدتها التي تعمل في عمل غير رسمي بمقر عملي، وتجني منه ريالات قليلة تساعدها في تحسين أوضاعها المعيشية المتواضعة. الصغيرة (ع) التي يبدو على ملامحها وتصرفاتها الذكاء والجرأة، تحضر منذ العام الماضي مع والدتها لمقر العمل وتقضي يومها بين المكاتب أو برفقة الأم في المطبخ، تحمل أكواب القهوة وأطباق الفطور، أو تلعب وحيدة بعد تأملها صباحا لأبناء وبنات الموظفات المشغولين بحقائبهم المدرسية. بدأ هذا العام الدراسي وبدأت (ع) في الحضور مع والدتها بدلا من ذهابها للمدرسة أو حتى لرياض الأطفال لو كانت أقل من الخامسة والنصف. وعند سؤال والدتها عن السبب في عدم تسجيل الطالبة بمدرسة حكومية لتبدأ مسيرها في التعليم؛ تهربت كثيرا ومع الإلحاح وتأكيد أن هذا من حقها وأنني مع عدد من الزميلات سنساعدها قدر المستطاع؛ أخبرتني أن الطفلة (ع) ليس لديها سجل مدني وغير مضافة لبطاقة والدها وليست لديها أوراق ثبوتية إلا أوراق ولادتها بالمستشفى قبل ست سنوات. تحمست الوالدة لفكرة ذهاب ابنتها للمدرسة خاصة وأننا كنا في بداية العام الدراسي الحالي، ولكن كان عليها ووالدها قبل هذا الذهاب للأحوال المدنية وإضافة الطفلة واستخراج هوية لها تمكنها من الالتحاق بالمدرسة.
قل حماس الأم بعد ذلك وأصبحت تتجنب الحديث معي في هذا الموضوع وكلما حاصرتها بالأسئلة تخبرني أن والدها أخذ موعدا لدى الإمارة أو أنه سيذهب للرياض لمتابعة الأمر! حتى أخبرتني أخيرا أنهما يخافان العقوبات المترتبة عليهما لأن زواجها منه تم دون تصريح، وأنها منذ ذلك الوقت حتى اليوم لم يتم تجديد إقامتها ودفع الرسوم المستحقة عليها. وكمحاولة لمساعدة هذه الطفلة البريئة أن تنال حقها المستحق في التعليم، تواصلت مع رئيس هيئة حقوق الإنسان بمنطقة عسير، وشرحت له الوضع كاملا فأخبرني أنه يجب على والدتها أو أحد أقاربها أو حتى أنا التقدم بطلب رسمي للهيئة لمتابعة الحالة وهذا ما لن تقوم به الأم أبدا لخوفها من تحمل تبعات مخالفتها في الإقامة والزواج وعدم تعاون والد الطفلة. وقد وعدني رئيس هيئة حقوق الإنسان بالمنطقة بأنه سيكلف اللجنة النسائية بمتابعة الموضوع وسيقوم بالاتصال معي للحصول على التفاصيل اللازمة وما زلت في انتظار الاتصال منذ بداية شهر سبتمبر المنصرم.
العام الدراسي ينتصف و(ع) تراقب في صمت الأطفال الذاهبين لمدارسهم، بدلا عن مشاركتهم الطريق إليها، وتشارك والدتها في أعمالها الخدمية بدلا عن مشاركة أترابها الدرس واللعب. أصبحت الأم أكثر تهربا من هذا الموضوع والحديث عنه. وقد علمت من وسيطة أرسلتها للحديث معها لتطمئن لها أكثر؛ أن الإهمال كما يبدو من جانب الوالد الذي يرى أن تعليمها غير مهم.
سبق لوالدة هذه الطفلة الزواج برجل سعودي ولديها منه عدة أبناء يعيشون مع أهل والدهم بعد وفاته في مدينة أخرى. وتفاصيل زواجها بالأخير لا يحتمل المكان هنا ذكرها. هي تعيش في قلق المساءلة الذي تتصور أنه قد يبعدها عن صغيرتها، وقلق الخوف على ابنتها ورغبتها في أن تضمن لها الالتحاق بالتعليم، بالإضافة لقلق البحث عن لقمة العيش من مصادر غير ثابتة.
الاهتمام برعاية الطفولة منذ وقت مبكر وسن قوانين واضحة لها يساعدان في تأسيس لبنة قوية للمجتمع تنهض به مستقبلا في جميع جوانبه الاجتماعية والعلمية والاقتصادية وغيرها. محاولات الحكومة السعودية في العناية بالمرأة والأسرة والطفل من هذا الجانب واضحة وحثيثة، ولعل محاكم الأحوال الشخصية التي أُنشأت مؤخرا هي البداية، ولكن ما تزال الكثير من الحقوق المتعلقة بالمرأة والطفل لا يمكن الحصول عليها بسهولة في ظل اختلاف الأحكام الشرعية من قاضٍ لآخر، مما يجعل وجود قانون لنظام الأحوال الشخصية أمرا ملحا وضروريا يضمن معها كل فرد في المجتمع والأسرة حقوقه كاملة.
الطفلة (ع) وهي في هذا العمر مسؤوليتنا جميعا، وبالأخص من يملك القرار أو القدرة على مساعدتها ووالدتها في معالجة وضعهما القانوني لضمان حصولها على التعليم في وسط أسري صالح لنشأتها بسلام.


عبير العلي 2014-10-18 12:23 am
صحيفة الوطن