سادية التعقيد

حمود أبو طالب
من إبداعاتنا وخصوصيتنا المتميزة أننا نحول أي حل، أو محاولة للحل إلى مشكلة أخرى. نتفنن في البحث عن عقدة جديدة، ونخلقها إذا لم تكن موجودة. يؤذينا أن نعطي المواطن حقه بسهولة ونشعره أن هذا واجبنا كمسؤولين، ونستمتع عندما نشاهده يطالب ويتسول حقه المشروع، ونشعر بلذة سادية عندما نجبره على الشكوى والتوسل.
خذوا أقرب مثال على هذه الحقيقة بعد صدور الأوامر الملكية الأخيرة. لقد تحولت بعض أوامر الخير إلى مشكلة للمواطنين الذين استبشروا بها، وبدأت الأسئلة تتكاثر والحيرة تزداد، وبعض المسؤولين يتصرفون وكأنهم الذين تفضلوا بإصدار الأوامر وتناسوا أنهم ليسوا سوى منفذين لها، وأن واجبهم استخلاص أكبر قدر من الفوائد التي تتضمنها وليس إضفاء التعقيدات عليها.
لقد تحدثنا عن هذا الموضوع بشكل عام بعد صدور الأوامر، واليوم سوف نتحدث عن ما حفلت به الصحف من أخبار خلال اليومين الماضيين بشأن مطالبات معلمات محو الأمية بتثبيتهن على وظائف وخروج مجموعات منهن للمطالبة بحقوقهن أمام فروع وزارة الخدمة المدنية. كان الجواب سريعا بتشغيل اسطوانة السجال بين وزارة الخدمة ووزارة التربية والتعليم.
الأولى تقول إن الثانية لم تضم هذه الفئة من المعلمات في بياناتها، والثانية صامتة كالعادة.
ونجزم أن القضية ستطول وستنتهي إلى لا شيء إذا لم تحسم من جهات عليا..
الأوامر الملكية لا تذكر تفاصيل التفاصيل، وليس من مهامها توجيه الوزارات كيف توظفها لصالح المواطن لأن ذلك هو الهدف الأساسي للأوامر وعلى جهات التنفيذ أن تفهم جيدا هذا الهدف وتحوله إلى إجراءات تنفيذية سريعة. الأوامر الملكية لا تستثني ولكن مزاج المسؤولين هو الذي يستثني ويعطل.. هذه العينة من المسؤولين تسيء للمواطن والدولة وتطيل أمد المشاكل وتولد الاحتقان في نفوس المستبشرين الذين لاح لهم الأمل بعد طول انتظار.. واجبهم أن يكونوا مع المواطن لا عليهن ومهمتهم تسهيل أموره لا تعقيدها، لكنهم لن يفعلوا ذلك طالما هم خارج نطاق المساءلة.