عبر جُسور السؤال..مَن أنتَ؟
عبر جُسور السؤال
مَن أنتَ؟


من كتاب/ عبر جسور الحياة .. من أنت وكيف تكون؟
للدكتور اسامه دويدار
***


أنتَ الفكرةُ الحاضرة التي تتشكَّل في كل لحظة تراها، تسمعها، تشعر بها، سواء أدركتها أم لم تدركها.

أنت النور والخير إن اخترت.. وأنت النَّار والشر إن احترت، أنت الطريق والسباق، أنت الخطوة والرغبة.

فإن أردت اكتشاف نفسك.. فقط كفَّ عن إعطاء العذر لنفسك وانظر لحولك وتأمل. فأنت اللحظة العابرة التي لم تُلقي لها بالاً ولكنَّها حُفِظت في سجِّلات الزمن.

أنت كل ما تريده بصدق.. أنت ما تحلم به بشغف، أنت ما تفكر فيه فعلياً، فقط كفَّ عن النظر بشتات لما حولك، وتحسس خطواتك لتبصر النور.

استمع لنفسك وما تقول بداخلك، فأنتَ في كل كلمة تقولها، وفي كل نفسٍ تستنشقه، وفي كل خطوة تخطوها، أنت كون واسع من الاحتمالات.. واختيارات كلها تعبِّر عنكَ أنتَ.



في كل غمضة عين أنتَ.. في كل شعور أنتَ.. في كل لحن أنتَ.. في كل طموح أنتَ.. وفي كل ابتسامة أنتَ..

أنت من صنعتَ نفسكَ باختياراتك وردود أفعالك وتبارك الذي قال ?فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا?.

فإن أردتَ اكتشاف نفسك.. فقط توقف عن التمثيل، ولعب دور الضحية، وانظر لما أنتَ عليه الآن، واسترجع كل ما قمتَ به، فحاضركَ يترجم ما بنفسِك، وأفعالك تترجم أفكارك.

وأنتَ أنتَ ضمن العابرين بين جسور الحياة، وبين منعطفاتها الكثير من التحديات، كما هو حالنا.. نلتقط من هنا وهناك المواقف، ونقطف من كل بستان زهرات تحمل العبير والأشواك.

لحظات وأحاديث عابرة، تدخل بالأعماق لنكتسب منها كل الطباع.. هكذا هي تُبنى تلك الصفات التي تتجمع في دواخلنا، أفكارنا وكلامنا ومشاعرنا، فنكون ولا نكون؛ ككومةٍ من حديث لا يتحدث، وبوحٍ لا يتنفس، وألمٍ لا ينوح، وصراخٍ مكبوت، ودمعٍ منسكب وجرحٍ لا يندمل.



ومضاتٌ وومضات وطرقٌ ومسارات، أسرارٌ لدينا وحكايات تُخلّد فينا وماضٍ دفينٍ حملناه بين أيدينا.

لم نعد نبصر الحقيقة فزادت الفجوة واتسعت الهوة، وأصبحنا لا نعقل كينونتنا النقية، ننظر عبر دواخلنا علَّنا نجد من ذاك القحط المفجع بُرعماً نسقيه ونرتوي من روح الخالق وأنواره، وننزع من ذلك الرُّكام المتراكم علينا حِملاً ثقيلاً فينا.

روحٌ تشتاق ولا تريد الفِراق؛ ذلك هو أنتَ، تلمح النّور من بعيد وتريد الوصول إليه، تنادي بكل ما بقيَ فيكَ من قطراتٍ تبحث عن مجرى السعادة لتسير بإقبالٍ للنور، فتجد الحياة، وتنعم بالخير، وتعلم وتتعلم كيف تسير.

وحين تجد (الله) عزّ وجل في كل ما حولكَ، حين تعرفه في السراء والضراء، ستجد نفسكَ تُمسِكُ الزِّمام، وتمضي بإقدام، حين يبدأ التغيير من الأعماق وتنفضُ عنكَ غبار النفس، وتصبحُ أنتَ الحكمُ على إغواء الشيطان، حينها فقط ستجد أنكَ أنت الروح المتصلة بأنوار الإلــه، فكن حريصاً ولا تغفل عما في نفسكَ لئلا تتراكم الشهوات فتُفسِدُ القلب ويهلكَ الجسد وتضيع الروح بين هذا وذاك.



أنتَ أيها الإنسان مَعلَماً بين معالِم الحياة، لك في كلِّ أركانها آثاراً وبصمة، مُستخلفاً في الأرض قد وضع الله بين يديك كل ما فيها، فانظر في نفسِكَ لتعلم ما حولك، وابحث الآن عمّا تريده، واجعله متصلاً بالله العليم يهديكَ إلى الطريق المستقيم.

ابدأ بما في داخلك فيتغيّر ما حولك، واستيقظ من غفلتك وجدد همتكَ، واترك الأمر لله تعالى لينتهي الصراع، وسلِّم له كل رغباتك لتُنفِذ أمره فتُهدى.

ابدأ من اللحظة الأقوى.. من كلمة التقوى.. واغرسها واسقها بالصدق والحبِّ والأنوار، ابدأ دائماً مِن النقطة الأولى عند الكلمة الأولى في السطر الأول، ليس فقط لتعلمَ من أنتَ ومن تكون! بل لتُدركَ فعلياً ماذا يجب أن تكون!

فأنتَ النور النابض في ملكوت الله البديع، أنت حكاية كل انسان اجتمعت فيه كل الأسرار، بين نفسٍ وروح وجسد، لتحكي حكايةً تُسطَّرُ بين مهده ولحده، وتحكي مسيرةً تجاوزت كل الجسور.

فما بين الروح والنفس هنالك الجسد، وما بين الجسد والنفس هناك الروح، وما بين الجسد والروح هناك النفس، وما أنتَ إلا كلُّ هذا وذاك مجتمعاً، فكن عليها حارساً لا يغفل، كن أنتَ من يكشفُ اللثام عن الحقائق الغائبة خلف الأيام، كن أنتَ السراج الذي لا يُخيفه الظلام، كن أنتَ كما خلقكَ الله تعالى بالفطرة السليمة متحدة الأركان.

#ابو_الهول_يتحدث



http://alldrosamadewedar.blogspot.co...g-post_10.html