تعاقد مُنتَهٍ بالتسريح..!!
من أكثر المشاكل التي عانى وما زال يعاني منها مجتمعنا، وتعدى ذلك إلى شبابنا وشاباتنا، ما يُعرف بـ"التعاقد"، ذلك المصطلح الذي حطّم آمالهم وقضى على أحلامهم؛ فيا ترى متى بدأ؟ وما ظروف نشأته؟ وما أسباب بقائه حتى الآن؟!
كل ذلك وغيره سأتناوله في مقال اليوم.

كنت في البداية عزمت النية للكتابة عن المعلمين الذين تعاقدت معهم إدارات التربية والتعليم في بداية العام الدراسي الحالي لكثرة ما وصلتني منهم من شكاوى، وهم من تخصصات ما زال الاحتياج فيها قائماً كالتربية الخاصة والرياضيات واللغة الإنجليزية، إلا أن كثرة من تجرعوا مرارة ذلك المصطلح من المعلمات وغيرهم من الموظفين جعلني أكتب عنه بشكل عام، مع الإشارة السريعة إلى كل بند منهم.

وقد أدت كثرة ضحايا تلك البنود إلى جعلهم يتبنون حملة تحت اسم "حملة موظفي وموظفات البنود في المملكة العربية السعودية"، على الموقع الاجتماعي الشهير "الفيس بوك".

بعد حرب الخليج الثانية لجأت بعض القطاعات الحكومية للتعيين على البنود بسبب العجز الذي كان يومئذ على مستوى ميزانية الدولة، ولكن تبدل الحال، وأصبح الحال "عال العال"؛ فسعر البترول أصبح في أعلى أسعاره، وتحسنت الظروف؛ فالمفترض والواجب أن تعود الأمور إلى طبيعتها بالتعيين المباشر عن طريق المسابقة الوظيفية التي تجريها الخدمة المدنية، إلا أن بعض القطاعات يبدو أنها ألفت البنود وألفتها؛ وبالتالي أصبح من المحال أن يستغني أي منهم عن الآخر؛ لأنه فيما يبدو صار بينهما "عيش وملح"! وصعب أن يكون الفراق بينهما! والحقيقة أنه إذا كانت تلك حجتهم فمعهم ثلاثة أرباع الحق فـ"العشرة ما تهون إلا على..!".

ومن أغرب البنود التي طرأت على مجتمعنا، ولأول مرة في حياتي أسمع عنه، هو "بند قوة المشروعات التابع لوزارة الشؤون الاجتماعية!"، وهو من نصيب المعلمات اللاتي تعاقدت معهن الشؤون، والأغرب والأعجب أنهن مكثن عليه مدة 20 سنة ومازلن حتى الآن، وهن من يعملن في الروضات التابعة للشؤون الاجتماعية، وبطبيعة الحال دون تأمينات ولا علاوات ولا بدلات ولا رواتب في الصيف، حالهن كحال بقية موظفي البنود ممن هم وهن في التعليم أو غيره، وفي بداية كل عام يتم تسريح بعضهن إذا لم يتقدم العدد الكافي من تلميذات الروضات كحال معلمات محو الأمية ومعلمي التعاقد!

ولم يمكث "ضحايا البنود بجميع أنواعها" كثيراً حتى جاء الفرج من الأب الحنون على أبنائه خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله - حفظه الله تعالى - إبان الأوامر الملكية التي أفرحت الوطن من غربه إلى شرقه، ومن جنوبه إلى شماله، حينما أفرح شعبه بتلك البشائر، ولا أقول مكرمات؛ لأن خادم الحرمين أصدر قراراً بمنع قول "مكرمة"، ووزّع القرار على جميع الجهات الحكومية، ويا ليت تلك الجهات تعي مفهوم ذلك القرار وتُطبِّقه بحق!
من ضمن تلك البشائر أمر خادم الحرمين بترسيم كل البنود، ومن لديه أقل علم وفقه بمدلول لغتنا العربية يعلم أن كلمة "كل" تعني "أداة شمول"؛ وبالتالي هي تشمل كل أنواع البنود دون استثناء، سواء بند محو الأمية أو بند الأجور أو الساعات أو البنود المؤقتة أو أي بنود أخرى تم تعيين مواطنين ومواطنات عليها، ومع الأسف أصبحت كل وزارة وإدارة حكومية تفسر تلك القرارات وتفصلها على مزاجها دونما اعتبار لحق أولئك المواطنين والمواطنات الذين بعضهم مكثوا سنوات على تلك البنود التي سلبتهم حقوقهم الوظيفية والآدمية، بل بعض المسؤولين أصبح يُعيّن أقرباءه ومعارفه حتى يشملهم الترسيم، ناسياً أو متناسياً أولئك المواطنين الذين مكثوا سنوات على تلك البنود في إدارته وما إنْ جاءهم الفرج من الأب الحنون خادم الحرمين الشريفين حتى اغتالوا فرحتهم حينما قرروا الالتواء على ذلك القرار وتفسيره وتأويله على أمزجتهم؛ فرسَّموا من أرادوا، وتركوا البقية!
وختاماً.. من منبر "سبق" الرائع أناشد والد الجميع الأب الحنون خادم الحرمين الشريفين النظر في أمر أبنائه المواطنين والمواطنات من أصحاب تلك البنود، الذين وقعوا ضحايا لأمزجة بعض مسؤولي الجهات الحكومية، والذين تجاهلوهم ولم يشملوهم بالترسيم، بأن يأمر - حفظه الله - بأن تقر أعينهم بالترسيم على وظائف رسمية أسوة بغيرهم ممن شملهم الترسيم.
والله الموفِّق لكل خير سبحانه.


ماجد الحربي
كاتب صحفي