الفساد ..الفساد .. الفساد
سيطول الحديث عن هذا الداء العضال والذي ينخر كالسوس في مختلف أوصال الدولة
هذا الداء الذي تفشّى في جميع الوزارات والإدارات الحكومية أضحى سرطاناً مرعباً استشرى فيها بلا استئذان ، بل أنّ محاولات استئصاله تسير على استحياء مما تعطيه قوة إضافية للمقاومة !
من المؤسف حقاً أن يكون الفساد ثقافة لدى البعض !
بل أنه بات عِلماً يُدرّس ، له أساتذة أفذاذ ، و تلامذة نُجباء ، يتم تكريمهم كل عام من خلال قرارات التمديد والترقيات !
والمفسدين هنا لهم فلسفتهم الخالدة " أنا ما سرقت من الجمل إلاّ إذنه " ...!
أموال الدولة بالنسبة لهم مال سائب كالجـِمال السائبة عندما تطيح ، تنتشر حولها العديد من سكاكين الطامعين فللكبار منهم السنام وما يحيط به من أضلاع ، ثم يتم اقتسام باقي الغنيمة كل بحسب مركزه ومكانته ، وتترك الرقبة على طولها مروراً بالرأس وأذن واحدة من أجل رفاهية الشعب الوفي !
أذكر قبل سنوات أنني كُلّفت من قِبل بعض الأصدقاء بشراء بعض لوازم إحدى المناسبات التي تجمعنا اسبوعياً ، وأذكر حينها أنه بقي معي نصف ريال من المبلغ الذي تم إعطاؤه لي ، فما كان مني إلاّ أعدته إلى مسؤول الميزانية في المجموعة
فقوبلت وقتها بأنواع الضحك والسخرية ، فالمبلغ في نظرهم تافه لا يستحق حتى أن أضع يدي في جيبي لاستخراجه !
فالمسألة يبدو أنها طبيعية ، فالملايين التي تُنهب في كافة القطاعات تعادل في نظر هؤلاء مبلغ النصف ريال في نظر أصدقائي !
من المخطئ ؟ أنا عندما أعدت النصف ريال ، أم هم عندما استحلوا المال العام ؟
أنا هنا لا أتحدث عن سارقي المليارات ، لأنهم ببساطة فوق القانون !
أنا أتحدث عن صغار الفاسدين ، كيف يسمح لهم بالتلاعب في المال العام تحت بنود وهمية ومشتريات مبالغ في أسعارها ؟
هناك مبالغ تـُصرف لمنتدبين خارج المملكة وهم ينعمون بالنوم داخل منازلهم !
هناك مناقصات يُعلن عنها في الصحف وأمرها محسوم في الخفاء !
بل أنّ الجُرأة وصلت بالبعض بناء مساكنهم الخاصة عن طريق أوامر الصرف من القطاعات التي يعملون بها !
ولا شك أن الفساد فنون وجنون ...
فهناك المشاريع الكبيرة وعقود الباطن التي تُنهيها بأقل جودة !
فكم سمعنا عن مدارس لها من العمر ستة أشهر ، لم يكتمل نموها فتصدّعت !
وكم شاهدنا طرق مسفلتة لو تـُركت بطبيعيتها ، لسلمنا من مشاكل هبوطها !
وهناك سرقة الأراضي واستخراج حجج استحكام وصكوك عن طريق قضاة وكـُتـّاب عدل يفترض أن يكونوا أول من يحمي المال العام .
والمضحك المبكي أنّ بعضهم يسرق الأراضي القابعة في مجاري السيول بلا خجل!
كما هو الحاصل في مدينة جدة ، ملتفّين بجُرأة واضحة على قرار مجلس الوزراء القاضي بمنع البناء في بطون الأودية .
المسألة عند هؤلاء تجاوزت تعدّيهم على حق الله وحق الدولة حتى وصلت إلى حق العباد ، ليغرق منهم من غرق ولُيفقد منهم من فُقد !
فالفساد لدينا لم يعد يمشي على الأرض ، بل أنه صار يطير بجناحين ، فهل تنجح هيئة مكافحة الفساد بقصهما ليعود مرة أخرى يمشي على الأرض ؟
على اعتبار أن القضاء على الفساد معناه تفعيل الأمر الملكي " كائناً من كان " بحذافيره ، وعدم الوقوف عند الخطوط الحمراء لبعض الكائنات !


--
ابو مشاري -


من ايميلي