هو أبوبكر محمد بن سيرين البصري. التابعي الكبير والإمام القدير في التفسير، والحديث، والفقه، وتعبير الرؤيا، والمقدم في الزهد والورع وبر الوالدين، توفي 110 هـ بعد الحسن البصري بمائة يوم، وكان عمره نيفاً وثمانين سنة.


سمع أبا هريرة وابن عباس وكثيرًا من الصحابة وكان محدثًا فقيهًا إمامًا غزير العلم، علاَّمة في تفسير الأحلام، رأسًا في الورع ذا دعابة، لا يرى الرواية بالمعنى. استكتبه أنس بن مالك بفارس. وروى له أصحاب الكتب الستة وغيرهم وكان عالماً بالحساب، والفرائض، والقضاء، ذا وفرة، يفرق شَعره ويخضب بالحناء، يصوم يوماً ويفطر يوماً. اشتهر ابن سيرين بالورع وكان عالما بارعا بتأويل الرؤى.
وقد كانت له مواقف مشهورة مع ولاة بني أمية صدع فيها بكلمة الحق وأخلص النصح لله ولرسوله؛ منها: سأله مرة عمر بن هبيرة والي بني أمية على (العراق): «"كيف تركت أهل مصرك يا أبا بكر
(كنية ابن سيرين)؟!"» فقال محمد بن سيرين: «"تركتهم والظلم فيهم فاش وأنت عنهم لاهٍ. فغمزه ابن أخيه بمنكبه"»، فالتفت إليه قائلا: «"إنك لست الذي تُسأل عنهم وإنما أنا الذي أسأل وإنها لشهادة (ومن يكتمها فإنه آثم قلبه)"» فأجزل ابن هبيرة له العطاء فلم يقبل، فعاتبه ابن أخيه قائلا: «"ما يمنعك أن تقبل هبة الأمير؟"» فقال: «"إنما أعطاني لخير ظنه بي، فإن كنت من أهل الخير كما ظن، فما ينبغي لي أن أقبل، وإن لم أكن كما ظن، فأحرى بي ألا استبيح قبول ذلك"».