الباب المفتوح .. والمزلاج !

خلف الحربي
ما صدر عن معالي وزير الخدمة المدنية تجاه المهندسين الذين جاؤوا إليه لعرض معاناتهم الوظيفية هو أمر (يفقع المرارة) بالفعل، فقد استغربت كثيرا كيف قال الوزير لأحد المهندسين الذي أراد تسليمه خطاب المهندسين: (قطعه) ولكن ما خفف من حدة استغرابي هو الرد الذكي لذلك المهندس الجريء حين قال لمعاليه: (خذه وقطعه بنفسك)، فأخذه الوزير وطواه للحظة ولكنه لم يجرؤ على (تقطيعه) بل سلمه لأحد مرافقيه. واليوم يسيطر على تفكيري سؤال بسيط: ما الذي حدث لذلك الخطاب؟ هل (قطعه) الوزير حين صعد إلى مكتبه؟ أم كلف أحد مساعديه بالقيام بمهمة (التقطيع)؟ هل حوله إلى القسم المختص للتعجيل في كادر المهندسين أم شرح عليه بكلمة (للحفظ)؟ وهل يمكن أن يكون قد قرأ الخطاب ثم كتب في هامشه (يحول إلى لجنة التقطيع)؟
لا أريد أن أتوقف عند قول الوزير للمهندسين: (اكتبوا لمراجعكم ولا تتجمعوا كالنساء) فهذا الكلام العجيب الذي سارت به الركبان وتناقلته الصحف ومواقع الإنترنت يعني خمسة أشياء؛ الأول منها: أن معاليه لديه نظرة (دونية) للنساء؟ والثاني: أنه حانق على معلمات محو الأمية اللواتي تجمعن للمطالبة بحقوقهن الوظيفية؟ والثالث: أنه يريد توجيه كلمة ــ يظن أنها موجعة ــ للمهندسين لمجرد أنهم جاؤوا إليه للمطالبة بحقوقهم؟ والرابع: أنه لا يؤمن إطلاقا بسياسة الباب المفتوح حيث إنه قال الكلام الاستفزازي للمهندسين وهم واقفون عند باب الوزارة فما بالك لو حاولوا الاقتراب من باب مكتبه؟ والخامس وهو مصيبة المصائب: أن معاليه لا يدري أنه مرجع المهندسين في هذه القضية بالذات وليست الوزارات التي يعملون فيها؟
في كل الأحوال يبدو الحديث عن هذا اللقاء (الناشف) الذي لا يتجاوز دقيقة أو دقيقتين على الأكثر يثير الحموضة في المعدة، لذلك أفضل أن نتحدث عن مطالب المهندسين العادلة فهم الفئة التي تصنع نهضة الأوطان وتقود عملية البناء والتحديث، وإذا كنا صادقين في محاربة الفساد فعلا فإن علينا أن نتذكر بأنه ليس من المنطق أن نطالب مهندسا حكوميا بالتدقيق في مشروع تبلغ كلفته عشرات المليارات في الوقت الذي نحرمه من الوصول إلى أبسط حقوقه الوظيفية، بل إننا لا نسمح له بالمطالبة بهذه الحقوق. ويؤسفني القول إننا قوم لا نستطيع القفز على تراثنا، فأول مهندس عربي كان (سنمار) الذي قتل بمجرد انتهائه من بناء القصر العجيب لذلك بقيت العرب تردد: (جزاء سنمار) لكل من يبدع في عمله فسيلقى جزاء قاسيا.. ربما كان خطأ أحفاد سنمار اليوم أنهم صدقوا حكاية (الباب المفتوح) رغم أنهم أشرفوا بأنفسهم على عملية البناء وتابعوا بحكم وظيفتهم مناقصة تركيب المزلاج !