أغلى المكاسب، وأعلى المطالب، وأرفع المواهب، علم نافع، ينفع في الدنيا، ويرفع في الأخرى، وكفى أهله شرفاً أن الله رفع قدرهم، وأعلى ذكرهم، وأشاد في العالمين بخبرهم، قال عز وجل: ﴿ يَرْفَعْ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ ﴾ [المجادلة:11] وقوله صلَّى الله عليه وسلَّم(من يرد الله به خيراً يفقه في الدين)) رواه أحمد والطبراني، قال ابن عبد البر: أحسن كلمة توارثها الناس بعد كلام النبوة، قول علي بن أبي طالب رضي الله عنه: قيمة كل امرئ ما يحسن. ولله در القائل:


إن كبير القوم لا علم عنده ♦♦♦ صغيرٌ إذا التفت إليه المحافل

اقوال الرسول عن المعلم



فالعلماء هم الأموات الأحياء، مات خُزَّان المال وهم أحياء، والعلماء باقون ما بقي الدهر، أعيانهم مفقودة، وآثارهم في القلوب والسطور موجودة.


فَفُز بعلمٍ تعش حياً به أبداً ♦♦♦ الناس موتى وأهل العلم أحياء





كان عبد الرحمن بن القاسم رحمه الله صاحب مالك أولَّ أمره ابناً لأمير، فركب بغلته ذات يوم، وعليه جبة من زِيِّ العلماء، وبينما هو يسير في الطريق، استوقفته امرأةٌ سائلةٌ تقول: امرأة يتقطع معها دم الحيض فكيف تفعل في صلاتها ؟ قال: لا أدري، فقالت: سبحان الله بغلة يركب بغلة، فحركته هذه الكلمة، فسافر إلى مالك ولزمه عشرين سنة، أخذ عنه العلم، وصار له القول المختار في المذهب بعد قول مالك، إلا أنه لم يجتهد إجلالاً لشيخه واحتراماً.


فلا عجب من شدة طلب أهل العلم للعلم، لأنه أنفع مكسب، فخيره لا ينقطع، وأثره لا يزول، قال ابن عبد البر: العلم هو الولد الباقي في عقب الرجل، وهو الولد الخالد.


روي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قوله: العلم خير لك من المال، العلم يحرسك وأنت تحرس المال، والعلم حاكم، والمال محكوم عليه، والمال تنقصه النفقة، والعلم يزكو بالإنفاق.


من قاس بالعلم الثرَّاءَ فإنه
في حكمه أعمى البصيرة كاذب
المال يُسرق أو يبيد لحادثٍ
والعلم لا يخشى عليه سوارب



تعليم العلم لله خشية، وطلبه عبادة، ومذاكراته تسبيح، فلا عجب أن يتولَّع به أهله أيَّما ولع، فقد سئل الإمام يحى بن معين وهو على فراش: الموت ماذا تشتهي؟ قال: بيتٌ خالي وسند عالي.


يقول سعيد بن جبير رحمه الله: كنت أجلس إلى ابن عباس فأكتب في الصحيفة حتى تمتلئ، ثم أقلب نعلي فأكتب في ظهره، وقال عبد الله بن حنش: رأيتهم عند البراء يكتبون بأطراف القصب على أكفهم.





ولقد أبلغ العلماء العاملون في الوصية بالعلم والنصح به، حاديهم في ذلك قول المصطفى صلَّى الله عليه وسلَّم: ((من سلك طريقاً يلتمس فيه علماً سهل الله له به طريقاً إلى الجنة)) رواه مسلم، فكان سعيهم للعلم يبدأ من المهد إلى اللحد، قال سعيد بن العاص: من لم يكتب، فيمينه يسرى، وقال معن بن زائدة: إذا لم تكتب يدك فهي رجل، وقال بعض العلماء: لو يعلم الملوك لمنعوا العلم عن أبناء الفقراء، وحصروه على أبناء الأغنياء، ولكن الله شغلهم بالدنيا.





دعا إلى العلم وتعلَّمَه نبيٌّ أميٌّ، لم تكن أميته يوماً قدحاً في رسالته، أو ثلباً في نبوته، كلاَّ بل هي مدحٌ ومنقبة، لأن من ورائها حكمة بالغة، إذ فيه رد الحجة على الملحدين في زعمهم أنه اقتباس من كتب الأقدمين، فقال الله تعالى: ﴿ وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذاً لارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ ﴾ [العنكبوت:48].