"فضيها سيرة" يا وزارة التربية والتعليم
منذ فترة ليست بالقصيرة لا يكاد يمر أسبوع أو أقل من ذلك أو أكثر بقليل إلا ونقرأ خبراً أو تصريحاً لأحد مسؤولي وزارة التربية والتعليم، وخصوصاً الشؤون المالية والإدارية، يقضي بصدور قرار إضافة درجات وظيفية لإحدى الدفعات المتضررة من المعلمين والمعلمات الذين عُيِّنوا على غير مستوياتهم المستحقة نظاماً وفق نظام سُلَّم الوظائف التعليمية المعتمد من وزارة الخدمة المدنية في الدولة، الذي يقضي بتعيين حامل البكالوريوس التربوي على الخامس وغير التربوي على المستوى الرابع. وقد كانت مبررات الوزارة في وقت مضى حول ذلك تتلخص في عدم وجود شواغر على المستويين المذكورين تستوعب كل المعيَّنين سنوياً؛ فلجأت لتعيينهم على المستويات الأدنى "الثالث والثاني" مروراً ببند 105 في محاولة منها لإيجاد حل لهذه الإشكالية، وبقي الحال على ذلك فيما يخص التعيين. أما تحسين المستويات المستحقة فيتم وفق ما يشغر من أرقام وظيفية على المستويين المستحقين إياهما نظاماً بالاعتماد على تاريخ مُعيَّن من دفعة كل عام، كأن يصدر قرار بتحسين من باشروا حتى تاريخ 15/ 5/ 1420 فما قبل مثلاً، بينما لا يُحسَّن من باشر بعد هذا التاريخ رغم أنه عُيّن بقرار مَنْ شملهم التحسين نفسه قبل التاريخ المذكور. واستمر الوضع يشوبه كثير من التخبُّط فتعيين على الثالث ثم الثاني من أول درجاته ثم على البند 105 ثم على الثاني الدرجة الثالثة دون تطبيق آلية موحَّدة على كل الدفعات تضمن العدل بين الجميع حتى لو كان عدلاً منقوصاً. هذا التخبُّط أحدث خللاً في رواتب الدفعات المختلفة في كل الأعوام تتابعياً؛ نظراً إلى أن تعيينهم منذ البداية لم يكن يخضع لآلية موحَّدة إلى جانب أن قرارات التحسين للمستويات الأعلى وصولاً للمستوى المستحق نظاماً لم تكن تعتمد على قرارات التعيين كمعيار للتحسين، وبذلك من الطبيعي أن دفعة معينة يُحسَّن نصفها في هذا العام بينما يُحسَّن الباقي من الدفعة بعدهم بعام أو عامين رغم أنهم في الأصل معينون بموجب قرار واحد يحمل التاريخ نفسه. كل ما سبق كان يؤرق المعلمين طيلة السنوات الماضية، وفي الوقت الذي غادرت فيه إشكالية المستوى المستحق الساحة بلا رجعة بعد أمر ملك القلوب باستحداث 204 آلاف وظيفة على المستويات المستحقة للمعلمين والمعلمات لا تزال إشكالية الدرجات الوظيفية وتباين الدفعات مستمرة.

كل ما حدث مع المعلمين بهذا الخصوص حدث وبشكل أكبر ضرراً وأبشع تفاوتاً مع المعلمات؛ فقد كان لهن النصيب الأكبر في مرافقة بند 105 والمستويات المتدنية، وقبعن فيها سنوات طوالاً؛ ما خلق فارقاً كبيراً بين مقدار رواتبهن مقارنة بنظرائهن من المعلمين المعينين في الأعوام نفسها، رغم أن سُلَّم الوظائف التعليمية المعتمد نظاماً من الخدمة المدنية لا يفرق بين المعلِّم والمعلِّمة في هذا الجانب!!

كثرت المطالبات من المعلمين والمعلمات، وأقاموا دعوى ولجت المحاكم، وبلغ عدد جلساتها أرقاماً فلكية، وقدَّر الله عليها بصرف النظر عنها، على أن توضح الأسباب بعد ذلك بوقت وجيز، وما زالت الأسباب حتى تاريخه مجهولة ولم تُذكر من قِبل تلك الجهة التي فقدت كثيراً من مصداقيتها، خاصة بعد قضية المعلمين والمعلمات!!
وصلت فحوى المطالبات للأب الحنون ملك القلوب خادم الحرمين الشريفين؛ فأمر باستحداث 204 آلاف وظيفة على المستويين الرابع والخامس بحيث تستوعب جميع المعلمين والمعلمات، وشكَّل لجنة وزارية لحل المشكلة من جذورها، لكن تلك اللجنة للأسف الشديد لم تقم ببتر المشكلة كما يريد الوالد القائد - حفظه الله - حينما اعتمدت مادة خاصة بالترقيات تخص سُلَّماً وظيفياً لا علاقة له بالوظائف التعليمية، وجاءت بها لتعتمدها في تطبيق تحسين مستويات المعلمين والمعلمات على مستوياتهم المستحقة نظاماً، ونُفِّذ القرار ابتداء من التاريخ المشهور 1/ 5/ 1430هـ. وكم تمنينا أن يكون هذا التاريخ يوماً حاسماً لهذه القضية، لكن ذلك لم يكن؛ فما إن تم تحسين المستويات وفق المادة المذكورة حتى حدث خلل كبير ومشاكل عديدة فيما يتعلق برواتب المعلمين؛ فهذه دفعة تم تعيينها في عام واحد تجدها مقسَّمة على أكثر من درجة وظيفية في مستواها المستحق، وتلك دفعة يتفوق حامل المؤهل غير التربوي فيها على حامل المؤهل التربوي من حيث الراتب، وتلك مجموعة دفعات لسنوات متعددة تتقاضى الراتب نفسه في حادثة أُجزم بأنها الوحيدة في كل مؤسسات العالم كله، ومثل ذلك وأدهى وأمرّ يحدث للمعلمات؛ فلا مجال للمقارنة بينهن وبين زملائهن من المعلمين المعينين في العام نفسه من حيث الدرجات الوظيفية، ووفقاً لذلك كان التفاوت الكبير في الرواتب.

هذه الإشكالية أشبه بسلسلة كثرت حلقاتها المعقدة جداً، وفي كل يوم تظهر عقدة أخرى، غير أن هذا التعقيد لم يكن خارجاً عن نطاق السيطرة من الأساس لكي يُلتمس العذر لمن تسبب في حدوث نتائجه، بل حدث بشكل أقرب ما يكون للاختلاق القصدي لتفاقم ضرره، ولا يزال مستمراً بدعم من المعالجات الخاطئة التي أشبه ما تكون بعلاج عشوائي صرفه طبيب لأحد المرضى؛ فأدى تناوله إلى ظهور أعراض مرضية جديدة غير القديمة، مع أن ذلك الطبيب لديه التشخيص الواضح للحالة المرضية، وفي الوقت نفسه يستطيع صرف العلاج المناسب الذي يقضي على هذا المرض نهائياً، وكأنه بذلك يتعمد استمرار مرضه دونما مبررات مقنعة.

قرار يتلوه قرار منذ الأول من جمادى الآخرة 1430هـ بداية بتشكيل لجان لحل مشكلة تباين رواتب الدفعات المعينة في كل عام على حدة، ومحاولات لضبط توحيد درجاتهم المستحقة، وأن يكون حامل المؤهل التربوي يتقاضى راتباً يفوق نظيره حامل المؤهل غير التربوي في العام نفسه، كل هذا يحدث لفئتي المعلمين والمعلمات، وفي كل صباح نجد دفعة أو أكثر من المعلمين أو المعلمات تُمنح حق الحصول على نصيب جديد من الدرجات الوظيفية المنقوصة من درجاتهم المستحقة، وما زال المسلسل مستمراً، وأجزم بأن حلقاته لن تنتهي أبداً؛ لأنه بُني في الأساس على خطأ، وما بني على خطأ لا يمكن أن ينتج حلاً أبدياً ناجحاً، ولن تنفع أبداً معالجاته الوقتية التي ما إنْ تُحدث قفزة في الرواتب مستقبلاً لدفعة معينة سواء التربوي أو غير التربوي في نهاية الدرجة الخامسة على المستوى المستحق حتى نجد الإشكاليات نفسها تظهر من جديد مع دفعات جديدة، وربما مع الدفعات نفسها التي عولجت من قبل!! لتصبح دعوات شؤون الموظفين والموظفات بأن يكون كل قرار جديد هو نهاية المطاف في هذا الشأن، لكن دعواتهم تتبدد بقرار مثيل لدفعة أو دفعات أخرى، وهكذا حتى تاريخه.
أوجه نداءً، وأتمنى أن يصل لسمو وزير التربية والتعليم ولأستاذنا القدير المدير العام للشؤون المالية والإدارية بوزارة التربية والتعليم صالح الحميدي، وليعتبرا هذا النداء من باب التذكير لا أكثر؛ ليقيني التام بأنهما يملكان من الخبرة ما يكفيهما عن قراءة هذه السطور، لكن مبرر ذلك أننا نحمل الرسالة نفسها، ونعمل بروح الفريق الواحد، ونمثل جهاز وزارة واحدة. مضمون ندائي يتمثل في نقطتين هما:

- إن القرارات المتتالية من قِبل الوزارة لسد ما أفرزته المادة المشؤومة 18/ أ من خلل في سُلّم الرواتب والدرجات الوظيفية في الدفعات التي شملها التحسين من المعلمين والمعلمات لن تكون حلاً جذرياً لهذه المشكلة حتى وإن عدّلت من الوضع في الوقت الحالي، إلا أن الإشكاليات نفسها ستعود مع حدوث أي تغير في قفزات الرواتب بعد الدرجة الخامسة من المستوى المستحق؛ ليظهر لنا تباين الدفعات من جديد، سواء كانت دفعات جديدة أو تلك التي سبق معالجتها؛ لأن القاعدة التي بُني عليها القرار بالأساس، وأعني بذلك المادة (18/ أ) حل مؤكد بعدم صحته، وما بُني على خطأ لا يمكن أن ينتج صواباً يدوم استمراره بشكل نهائي؛ فنتائج جدواها وقتية وما تلبث الإشكاليات نفسها وقتاً حتى تعود لنا مجدداً من الأفضل استبعادها بشكل قطعي ونهائي.

- إن الحل الجذري والنهائي لهذه المشكلة "العويصة البسيطة في الوقت نفسه" يتمثل في منح كل دفعة من المعلمين والمعلمات الدرجة المستحقة لهم نظاماً وفق سنوات الخدمة، وبذلك يسدل الستار بشكل نهائي على مسلسل تباين الدفعات في الدرجات الوظيفية، الذي أصبح حديث الوقت الحالي.

أجزم بأن لسان حال المعلمين والمعلمات يقول: "فضيها سيرة يا وزارة التربية والتعليم" ممثلة بكل صناع القرار فيها؛ فقد آن الأوان لإيقاف قرارات كهذه تمثل في مجملها حلولاً وقتية لا جذرية؛ فقد أصبح من الضروري بمكان إقفال هذا الجزء من ملف حقوق المعلمين والمعلمات ومنحهم درجاتهم المستحقة نظاماً وفقاً لسنوات خدمتهم. إنّ هذا القرار دون غيره هو الكفيل بإنهاء مشكلات التباين بين الدفعات في الدرجات الوظيفية، ولن ينجح حل سواه في القضاء على هذه المشكلات. وإن أصرت الوزارة على الاستمرار في المعالجة بالآلية المتبعة حالياً نفسها فسيحطم عدد قراراتها بهذا الخصوص الرقم القياسي، وسيبقى سقف عدد القرارات مفتوحاً إلى ما لا نهاية، وهذا ما لا نتمناه، ونعتقد بأن وزارتنا كذلك لا تريده.

كل الدعوات بأن يحمل الغد القريب قراراً نهائياً يوقف مسلسل هذه المشكلة التي هي في الأصل واضحة المعالم، سهلة الاجتثاث، وحلولها بين أيدينا، لكنها تحتاج فقط إلى من يؤمن يقينا بضرورة حلها بشكل نهائي وبطريقة صحيحة وفق معطيات النظام. فإلى رصيد مَنْ يا تُرى سيُضاف هذا القرار في حالة صدوره؟؟ الله أعلم!!
وللجميع فيض التقدير والمحبة.


الدكتور/ عائض بن سعيد الغامدي
إعلامي تربوي


http://www.sabq.org/sabq/user/articles.do?id=563