"... سلاح ذو حدين" اعتدنا كثيراً على سماع هذه العبارة حتى حفظها الصغير قبل الكبير والجاهل قبل المثقف، وكانت تُقال في مجال ضيِّق، أما اليوم فقد انتشرت انتشاراً واسعاً؛ فما عليك سوى إحلال أي كلمة محل النقاط الثلاث، وتصبح العبارة صحيحة.

وفي هذا المقام ينطبق الكلام على القنوات الفضائية؛ فهي بالفعل سلاح ذو حدين؛ فهي بين أمرين لا ثالث لهما؛ فإما أن تكون أداة بناء وتقدُّم ورقي للمجتمعات، وإما أن تكون مِعْوَل هدم، يقوض دعائم هذه المجتمعات، ويقذف بها في مهاوي الردى.

ولا نحتاج لضرب أمثلة لهذه الأنواع؛ فالجميع يعرفها، ويعرف أهدافها، ويستطيع أن يصنفها من أي نوع هي بمجرد سماعه اسمها؛ فالكل يعرف الجيد من الرديء، والغث من السمين.

ولسنا بصدد الحديث عن هذه القنوات وأنواعها، وتصنيفها، ولكنني سأتحدث عن بعض هذه القنوات التي تحاول أن تكون مزيجاً من النوعين، وهذه أخطر الأنواع؛ لأنها تدس السم في الدسم؛ فهي تحاول أن تقدِّم نفسها على أنها قنوات تريد توعية المجتمع، وتثقيفه، وتسعى لرقيه وتطوره، ورفعته، وتوسعة مدارك أبنائه، وذلك من خلال بث الكثير من البرامج التي تدعي أنها برامج تثقيف وتوعية وتطور ورقي، كما تبث بعض المسلسلات والأفلام التي تدعي أنها من ينقل المجتمع إلى مصاف المجتمعات المتقدمة، ولكنها في حقيقة الأمر هي من يهدم المجتمع، ويهوي به في أعماق الجهل والتخلف، والفساد، والخراب، والدمار.

وخير مثال على ذلك ما تبثه من مسلسلات تركية، كل ما تقوم عليه الجريمة والرذيلة؛ فما الذي استفاده المجتمع الإسلامي من مسلسل كل أحداثه تدور حول الجريمة والقتل والدمار، وتقوم قصته على الرذيلة؟.. وليس ذلك فحسب بل إنه يُصوِّر الرذيلة على أنها حدث عادي جداً، والبطلة "التي تحمل سفاحاً" - والعياذ بالله - على أنها مظلومة مسكينة، وتتقاطر دموع المشاهدين العرب المسلمين مع كل زفرة وتنهيدة من تنهيداتها أكثر ما تتقاطر على منظر أشلاء طفل مسلم تقطعه دبابات العدو الصهيوني!! والله المستعان.
فما الذي نسفيده؟؟!! وما الذي نجنيه من هذه المسلسلات؟؟!!

كل ما استفدناه منها أنها ربَّت أبناءنا على حب الجريمة والقتل والدمار وحَمْل السلاح للقتل وإزهاق الأرواح، وأصبح أبطالها أساطير القوة والبطولة والمثال المحتذى عند أطفالنا، وتروِّج للرذيلة، وتنشر الزنا في مجتمعاتنا العربية الإسلامية. وهل هناك ذنب أعظم من هذا؟ وهل هناك سبب أقوى من هذا يجعلنا نحاربها ونقف ضدها، ونحاول بكل ما أوتينا من قوة أن نمنع بثها في ديارنا؟.. حفظ الله للمسلمين دينهم وأعراضهم.

أما على مستوى السذج من المراهقين والكبار فقد انتشر أسماء البطل والبطلة بين أسماء أبنائهم؛ فكم من شخص ذهب للمواليد وسجَّل اسم ابنه باسم بطل هذه المسلسلات، أو سجَّل اسم ابنته باسم تلك (...) تكرمون.. بطلة ذلك المسلسل... "عجبي" فأين ذهبت العقول؟!! وأين ذهبت المروءة؟؟!! وأين ذهب الحياء؟؟!! وقبل ذلك أين ذهب دين ذلك الساذج الذي غُيِّب عقله، وضُيِّع دينه؟.. والله المستعان.

وقبل أن أختم أقول لمن أدخل هذه المسلسلات إلى ديار المسلمين: اتق الله في المسلمين.. وخف من أن ينطبق عليك قول الله تعالى {إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا..} الآية.

وأقول لكل من غُيِّب عقله: اتق الله فيمن تعولهم، وتذكَّر قوله صلى الله عليه وسلم "كلكم راع، وكلكم مسؤول عن رعيته..".
أعاذنا الله وإياكم.. وحفظ لنا ديننا وأعراضنا.