مكانة الأخوة في الإسلام
للأخوة الإسلامية مكانة عظيمة في الإسلام لكونها تمثلالمجتمع الإسلامي الواحد ، لذا نجد أن الإسلام اهتم بهذا الجانب اهتماماًبالغاً.
قال تعالى " وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُواْ وَاذْكُرُواْ نِعْمَتَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً"(1).
قال ابن جرير(2) في تفسير هذه الآية : " يعني : فأصبحتم بتأليف الله عز وجل بينكم بالإسلام وكلمة الحقوالتعاون على نصرة أهل الإيمان والتآزر على من خالفكم من أهل الكفر إخواناًمتصادقين لا ضغائن بينكم ولا تحاسد"(3)أهـ
وقال اللهتعالى :" إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَة "(4) " أي في الدين والحرمة لا في النسب ،ولهذا قيل : أخوة الدين أثبت من أخوة النسب ، فإن أخوة النسب تنقطع بمخالفة الدين ،وأخوة الدين لا تنقطع بمخالفة النسب "(5).
وقد اهتمالنبيصلى الله عليه وسلمعلى نحو ما أمره به الشرع كييحافظ على المجتمع المسلم من خلال توجيهاته وكثرة نصائحه ودعوته إلى روابط الأخوةكالتعاون وحسن الظن وطلاقة الوجه والتواضع ونحوها مما يوثِّق رابطة الإخاء بينالمسلمين ، حيث نجد هذا الإهتمام منهصلى الله عليه وسلممن جهتين :
الجهة الأولىمن حيثأقوالهصلى الله عليه وسلم : فقد أمرهم بحسن الظنبإخوانهم المسلمين والتعاون معهم وزيارتهم واتباع جنائزهم ونحوها من الأمور المهمةالتي تدل على مكانة الأخوة الإيمانية في الإسلام وفي قلوب المؤمنين ، فقالصلى الله عليه وسلم " إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث "(6) ،وقال " من استطاع منكم أن ينفع أخاه فلينفعه "(7) ، وقال " من عاد مريضاً نادى منادٍ من السماء ، طبت وطاب ممشاك وتبوَّأتَ من الجنة منزلا"(8) ، وقال " من اتبع جنازة مسلم إيماناً واحتساباً وكان معه حتى يُصلى عليها ويُفرغ من دفنها ، فإنه يرجع من الأجر بقيراطين ، كل قيراط مثل أحد، ومن صلى عليها ، ثم رجع قبل أن تدفن ، فإنه يرجع بقيراط"(9) ونحوها من الأواصرالحية.
الجهة الثانيةمن حيث أفعالهصلى الله عليه وسلم : حيث كانصلى اللهعليه وسلمالقدوةَ الحسنةَ للمسلمين عامة ، فإنه لا يقول القول ويدعوإليه إلا كان أولَ من يعمل به ، ولنتأمل ما جاءمن حديثالبراء(10) رضي الله عنه قال : " رأيت النبيصلى الله عليه وسلميوم الخندق، وهو ينقل التراب حتى وارى التراب شعر صدره، ... ،وهو يرتجز برجزعبد الله بن رواحة(11) :
اللهمَّ لولا أنتَ ما اهتدينا
فأَنْـزِلنْ سكينـةً علينـا
إنَّ العدا قدْ بغوا علينـا
يرفع بهاصوته"(12).


ولا تصدقنا ولاصلينا
وثبتِالأقدامَإنْلاقينا
إنْأرادوا فتنةًأبينــا


وكلما تقدم من الآيات والأحاديث دليل على أن للأخوة مكانة كبيرة في الإسلام ، يمكنإيجازها في أمور :
(1)
دعوة المجتمعات إلى جمع الكلمة ونبذالخلاف.
(2)
توطيد أوآصر الأخوة الإيمانية في المجتمعالمسلم.
(3)
العمل على تحقيقها من خلال الحقلالدعوي.
ولما كان تحقيق ذلك أمراً لا بد منه : شرعالله سبحانه وتعالى لعباده وحدة الولاء والصف كـي يقوم بناء الأمة بناء قوياً وتظهرهيبتها أمام الأمم والشعوب.
فليت شعري من يدرك مكانة الأخوة ويسعىجاداً لإعادة هذا الصرح المشيد إلى واقع هذه الأمة المباركة بما يوافق الكتابوالسنة على فهم الرعيل الأول.

----------
(1)
سورةآل عمران ، الآية رقم (103).
(2)
محمد بن جرير بنيزيد الطبري ، إمام عصره وفقيه زمانه من أهل آمل ، طبرستان، ولد سنة 224هـ ، وماتفي شوال سنة 311هـ ، وكان متفنناً في جميع العلوم ، له الكتاب الكبير المشهور فيتاريخ الأمم ، وله كتاب التفسير الذي لم يصنف مثله ، وكتاب تهذيب الآثار ، وله فيالأصول والفروع كتب كثيرة [تذكرة الحفاظ ، تأليف شمس الدين الذهبي (2/710) ، تحقيقحمدي السلفي، دار الصميعي، الرياض، الطبعة الأولى 1415هـ].
(3)
جامع البيان عن تأويل آي القرآن، تأليف : محمد بن جرير الطبري (3/378) ، دار الفكر ، بيروت ، 1405هـ.
(4)
سورةالحجرات ، الآية رقم (10).
(5)
الجامع لأحكام القرآن الكريم، للعلامة محمد بن أحمد القرطبي (16/274) ،تحقيق أحمد عبدالعليم البردوني ، دار الشعب ، القاهرة ، الطبعةالثانية 1372هـ.
(6)
أخرجه البخاري في صحيحه [كتاب النكاح ، باب لا يخطب من خطب على خطبة أخيه حتى ينكح أو يدع ، (5/1976رقم 4849) ، ومسلم في صحيحه ( كتابالبر والصلة والآداب ،باب تحريم الظن والتجسس والتنافس والتناجشونحوها (4/1985رقم 2563)] من حديثأبي هريرة .
(7)
أخرجهمسلم في صحيحه (كتاب السلام،باب استحبابالرقية من العين والنملة والحمّة والنظرة (4/1726رقم 2199)] من حديثجابر .
(8)
أخرجه ابن ماجه في سننه (كتاب الجنائز،باب ما جاء في ثواب من عادمريضاً (1/464 رقم 1443)] من حديثأبي هريرة.
(9)
أخرجهالبخاري في صحيحه [كتاب الإيمان، باب إتباع الجنائز من الإيمان ، (1/26رقم 47) ] من حديثأبيهريرة .
(10)
البراء بن عازب بن الحارثالأنصاري الأوسي يكنى أبا عمارة ،ويقال : أبو عمرو،ويقال : أبو الطفيل ، نزل الكوفة ، ومات بها سنة 72هـ ، وأول مشاهدهأحد ، روى عن النبي e وأبي بكر وعمر وغيرهم ،وعنه عبدالله بن زيد الخطمي وأبو جحيفةوغيرهما [الإصابة في تمييز الصحابةلابن حجر ، مصدر سابق (1/278)] ، وكذا [تهذيب التهذيب لابن حجر (1/372)، دار الفكر،بيروت، الطبعة الأولى، 1404 هـ].
(11)
عبد الله بن رواحة بن ثعلبةبن امرئ القيس الأنصاري الخزرجي ، يكنى أبا محمد وقيل : أبو رواحة ، أحد النقباء ،شهد العقبة وبدراً وأحداً والخندق والحديبية وعمرة القضاء والمشاهد كلها إلا= =الفتح وما بعده لأنه قتل يوم مؤتة شهيداً ، وهو أحد الأمراء في غزوة مؤتة وأحدالشعراء المحسنين الذين كانوا يردون الأذى عن رسول الله e [ أسد الغابة لابن الأثير (1/606) ، مصدر سابق] ، وكذا [الاستيعاب في معرفة الأصحاب ، تأليف : يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر (3/898)، تحقيق: علي محمد البجاوي ، دار الجيل ، بيروت ، الطبعة: الأولى، 1412هـ].
(12)
أخرجه البخاري في صحيحه [كتاب الجهادوالسير، باب الرجز في الحرب ورفع الصوت في حفر الخندق، (3/1103رقم 2870) ] من حديثأبي هريرة .
[