فوضى الاختبارات
سعود المصيبيح
صحيفة سبق

نجحت تجارب تربوية في العالم في إلغاء الاختبارات المركزية، والاعتماد في التقييم على اختبارات القياس والتقييم عند الدخول للجامعة. هذه خطوة رائدة للتخلص من أساليب بالية، تعطي معلومات غير دقيقة حول مستويات الطلبة، بل التباين الواضح بين مستوى الطالب ودرجته التي يحصل عليها. وتتسابق بعض المدارس الأهلية في الغش وعدم الأمانة في منح الدرجات الوهمية الكاذبة وترك الطلبة والطالبات يغشون للحصول على نسب مئوية متضخمة وإسعاد أولياء الأمور المخدوعين برضاهم وقلة بصيرتهم، الذين يغشون أنفسهم قبل أن يغشوا أبناءهم ومجتمعهم.

كما أنني لاحظت ارتفاع نسبة النجاح والدرجات العالية في اختبار الثانوية العامة لدى الطلبة في بعض مدارس الريف والهجر والقرى لخوف المعلمين من سطوة الأهالي، أو مجاملة بعض المدرسين غير السعوديين لأولياء أمور الطلبة.. وجميع هذه الأمور مضرة للعملية التعليمية.

وقد بحثت في نظام الاختبارات أثناء زيارتي لسنغافورة وكوريا واليابان قبل سنوات بمعية وزير التربية والتعليم السابق د. محمد الرشيد، والتقينا المسؤولين هناك، ودارت مناقشات، وزرنا مدارس، والتقينا مديري مدارس ومعلمين وأولياء أمور وطلاباً، وكان المتبع لديهم هو إلغاء الاختبارات، ليس فقط في الثانوية العامة وإنما في جميع مراحل التعليم، والاعتماد على اختبار موحد هو القياس والتقويم في نهاية المرحلة الثانوية لمعرفة شمولية استعداد الطالب للدراسة الجامعية والتخصص المناسب له ومدى استفادته مما درسه، معتمدين على معرفة القدرة التي يملكها الطالب، والتي تُبنى مع الإنسان يوماً بعد يوم، من خلال المواقف والتجارب التي يواجهها في حياته العامة، سواء داخل المدرسة أو خارجها، ويقيس الاختبار القابلية للتعلم بصرف النظر عن براعته الخاصة في الموضوع نفسه، فهو يقيس القدرة على القراءة بفهم وعمق، وفهم التعابير في سياق القراءة، والقدرة على إدراك العلاقات المنطقية، والقدرة على حل المسائل بمفاهيمها الرياضية الأساسية، والاعتماد على الفَهم والتطبيق والاستدلال.

ويقومون بترفيع الطالب تلقائياً في مراحل التعليم العام، ويعتمدون على التقويم الفردي للمهارات لكل طالب، ويرون أن رسوب طالب وإعادته للسنة هو مشروع بناء إنسان فاشل في المجتمع حينما يرى أقرانه وقد انتقلوا لصف آخر وهو قابع في الفصل، كما أنه مكلف لميزانية الدولة، ويؤدي إلى تسرب الطلبة، كما أن الاختبار يؤدي إلى أن يركز المعلم وولي الأمر والمدرسة والطالب على الاختبار نفسه والدراسة من أجل الاختبار، وينسوا العملية التربوية والتعليمية والسلوكية، ويكون الهدف هو المعلومات والتحصيل الدراسي؛ وهذا يفسر ضعف طلابنا في اختبار القياس والتقويم بسبب ضعف المناهج وضعف المعلم وضعف البيئة التعليمية.. إلى أن وجّه الملك - حفظه الله - بمشروع التطوير بعشرة مليارات ريال، لكنه يسير ببطء، ولا نعلم عنه شيئاً.

وعموماً، ينبغي على أولياء الأمور دعم الوزارة في خطوتها لاعتماد اختبار القياس؛ فليس الهدف أن يدخل الابن الجامعة، وأن يحصل على درجات عالية، ولكن الهدف أن يكون ناجحاً فيها وناجحاً في حياته، معتمداً على الفهم والتحليل، وليس الحفظ والتلقين؛ ولهذا نجحوا في تعليمهم ومخرجاتهم، وما زال القصور لدينا واضحاً وملموساً.

وقد بدأت هذا الأسبوع الاختبارات بالأسلوب والطريقة نفسهما من عناوين الصحف واستنفار المنزل والمدرسة وزيادة التحذير من حبوب الكبتاجون المخدرة.. لكن الأسلوب لا يزال يؤدي لمخرجات ضعيفة ومستوى متأخر في إتقان المهارات وتحقيق الرسالة الأسمى من أهداف التربية والتعليم. كما أن تطبيق التقويم لدينا لم يواكبه إعداد المعلم بشكل جيد وتنشيط آلية التعاون بين البيت والمدرسة؛ لأن نجاح أسلوب التقويم هناك يعود إلى أن ولي الأمر مشارك في العملية التعليمة وعينه على اختبار القياس؛ ولهذا يهتم ويحرص على متابعة ابنه، ويشارك المدرسة همومها للتأكد من مستوى ابنه، والعمل على حل أي قصور أو ضعف بأن يتم اكتشافه مبكراً.